﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ ﴾ [يس : ٦٥] أي نمنعهم من الكلام ﴿ وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [يس : ٦٥] يروى أنهم يجحدون وبخاصمون فتشهد عليهم جيرانهم وأهاليهم وعشائرهم فيحلفون ما كانوا مشركين، فحيئذ يختم على أفواههم وتكلم أيديهم وأرجلهم، وفي الحديث " يقول العبد يوم القيامة إني لا أجيز عليّ إلا شاهداً من نفسي فيختم على فيه ويقال لأركانه : أنطقي فتنطق بأعماله ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول : بعداً لكن وسحقاً فعنكن كنت أناضل " ﴿ وَلَوْ نَشَآءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ ﴾ [يس : ٦٦] لأعميناهم وأذهبنا أبصارهم.
والطمس تعفيه شق العين حتى تعود ممسوحة ﴿ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ ﴾ [يس : ٦٦] على حذف الجار وإيصال الفعل والأصل فاستبقوا إلى الصراط ﴿ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ ﴾ [يس : ٦٦] فكيف يبصرون حينئذ وقد طمسنا أعينهم ﴿ وَلَوْ نَشَآءُ لَمَسَخْنَـاهُمْ ﴾ [يس : ٦٧] قردة أو خنازير أو حجارة ﴿ عَلَى مَكَانَتِهِمْ ﴾ [يس : ٦٧] ﴿ عَلَى ﴾ أبو بكر وحماد.
والمكانة والمكان واحد كالمقامة والمقام أي لمسخناهم في منازلهم حيث يجترحون الماثم ﴿ مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَـاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ ﴾ [يس : ٦٧] فلم يقدروا على ذهاب ولا مجيء أو مضياً أمامهم ولا يرجعون خلفهم.
﴿ وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ ﴾ [يس : ٦٨] عاصم وحمزة، والتنكيس : جعل الشيء أعلاه أسفله، الباقون ﴿ نُنَكِّسْهُ ﴾ ﴿ فِى الْخَلْقِ ﴾ [يس : ٦٨] أي نقلبه فيه بمعنى من أطلنا عمره نكسنا خلقه
١٩
فصار بدل القوة ضعفاً وبدل الشباب هرماً، وذلك أنا خلقناه على ضعف في جسده وخلو من عقل وعلم ثم جعلناه يتزايد إلى أن يبلغ أشده ويستكمل قوته ويعقل ويعلم ما له وما عليه، فإذا انتهى نكسناه في الخلق فجعلناه يتناقض حتى يرجع إلى حال شبيهة بحال الصبي في ضعف جسده وقلة عقله وخلوه من العلم كما ينكس السهم فيجعل أعلاه أسفله قال عز وجل :﴿ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شيئا ﴾ [الحج : ٥] (الحج : ٥) ﴿ أَفَلا يَعْقِلُونَ ﴾ [يس : ٦٨] أن من قدر على أن ينقلهم من الشباب إلى الهرم ومن القوة إلى الضعف ومن رجاحة العقل إلى الخرف وقلة التمييز، قادر على أن يطمس على أعينهم ويمسخهم على مكانتهم ويبعثهم بعد الموت.
وبالتاء : مدني ويعقوب وسهل.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٨
وكانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلّم شاعر فنزل ﴿ وَمَا عَلَّمْنَـاهُ الشِّعْرَ ﴾ [يس : ٦٩] أي وما علمنا النبي عليه السلام قول الشعراء أو وما علمناه بتعليم القرآن الشعر على معنى أن القرآن ليس بشعر فهو كلام موزون مقفى يدل على معنى، فأين الوزن وأين التقفية؟.
فلا مناسبة بينه وبين الشعر إذا حققته ﴿ وَمَا يَنابَغِى لَهُا ﴾ [يس : ٦٩] وما يصح له ولا يليق بحاله ولا يتطلب لو طلبه أي جعلناه بحيث لو أراد قرض الشعر لم يتأت له ولم يتسهل كما جعلناه أمياً لا يهتدي إلى الخط لتكون الحجة أثبت والشبهة أدحض وأما قوله :
أنا النبي لا كذب
أنا ابن عبد المطلب
وقوله :
هل أنت إلا أصبع دميت
وفي سبيل الله ما لقيت
فما هو إلا من جنس كلامه الذي كان يرمي به على السليقة من غير صنعة فيه ولا تكلف إلا أنه اتفق من غير قصد إلى ذلك ولا التفات منه أن جاء موزوناً كما يتفق في خطب الناس ورسائلهم ومحاوراتهم أشياء موزونة، ولا يسميها أحد شعراً لأن
٢٠
صاحبه لم يقصد الوزن ولا بد منه، على أنه عليه السلام قال " لقيت " بالسكون، وفتح الباء في " كذب " وخفض الباء في " المطلب " ولما نفى أن يكون القرآن من جنس الشعر قال ﴿ إِنْ هُوَ ﴾ [يوسف : ١٠٤] أي المعلم ﴿ إِلا ذِكْرٌ وَقُرْءَانٌ مُّبِينٌ ﴾ [يس : ٦٩] أي ما هو إلا ذكر من الله يوعظ به الإنس والجن، وما هو إلا قرآن كتاب سماوي يقرأ في المحاريب ويتلى في المتعبدات وينال بتلاوته والعمل به فوز الدارين، فكم بينه وبين الشعر الذي هو من همزات الشياطين ﴿ لِّيُنذِرَ ﴾ القرآن أو الرسول ﴿ لِتُنذِرَ ﴾ مدني وشامي وسهل ويعقوب ﴿ مَن كَانَ حَيًّا ﴾ [يس : ٧٠] عاقلاً متأملاً لأن الغافل كالميت أو حياً بالقلب، ﴿ وَيَحِقَّ الْقَوْلُ ﴾ [يس : ٧٠] وتجب كلمة العذاب ﴿ عَلَى الْكَـافِرِينَ ﴾ [البقرة : ٨٩] الذين لا يتأملون وهم في حكم الأموات.