جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٨
﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعَـامًا ﴾ أي مما تولينا نحن إحداثه ولم يقدر على توليه غيرنا ﴿ فَهُمْ لَهَا مَـالِكُونَ ﴾ [يس : ٧١] أي خلقناها لأجلهم فملكناها إياهم فهم متصرفون فيها تصرف الملاك مختصون بالانتفاع بها أو فهم لها ضابطون قاهرون ﴿ وَذَلَّلْنَـاهَا لَهُمْ ﴾ [يس : ٧٢] وصيرناها منقادة لهم وإلا فمن كان يقدر عليها لولا تذليله تعالى وتسخيره لها، ولهذا ألزم الله سبحانه الراكب أن يشكر هذه النعمة ويسبح بقوله ﴿ سُبْحَـانَ الَّذِى سَخَّرَ لَنَا هَـاذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ﴾ [الزخرف : ١٣] (الزخرف : ٣١) ﴿ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ ﴾ [يس : ٧٢] وهو ما يركب ﴿ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ ﴾ [يس : ٧٢] أي سخرناها لهم ليركبوا ظهرها ويأكلوا لحمها ﴿ وَلَهُمْ فِيهَا مَنَـافِعُ ﴾ [يس : ٧٣] من الجلود والأوبار وغير ذلك من اللبن وهو جمع مشرب وهو موضع الشرب أو الشراب ﴿ أَفَلا يَشْكُرُونَ ﴾ [يس : ٣٥] الله على إنعام الأنعام ﴿ وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ ءَالِهَةً لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ ﴾ [يس : ٧٤] أي لعل أصنامهم تنصرهم إذا حزبهم أمر
٢١
﴿ لا يَسْتَطِيعُونَ ﴾ [النساء : ٩٨] أي آلهتهم ﴿ نَصْرَهُمْ ﴾ نصر عابديهم ﴿ وَهُمْ لَهُمْ ﴾ [يس : ٧٥] أي الكفار للأصنام ﴿ جُندٌ ﴾ أعوان وشيعة ﴿ مُحْضَرُونَ ﴾ يخدمونهم ويذبون عنهم، أو اتخذوهم لينصروهم عند الله ويشفعوا لهم والأمر على خلاف ما توهموا حيث هم يوم القيامة جند معدون لهم محضرون لعذابهم لأنهم يجعلون وقود النار ﴿ فَلا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ ﴾ [يس : ٧٦] وبضم الياء وكسر الزاي : نافع من حزنه وأحزنه يعني فلا يهمك تكذيبهم وأذاهم وجفاؤهم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢١
﴿ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ ﴾ [يس : ٧٦] من عداوتهم ﴿ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾ [البقرة : ٧٧] وإنا مجازوهم عليه فحق مثلك أن يتسلى بهذا الوعيد ويستحضر في نفسه صورة حاله وحالهم في الآخرة حتى ينقشع عنه الهم ولا يرهقه الحزن.
ومن زعم أن من قرأ ﴿ إِنَّا نَعْلَمُ ﴾ [يس : ٧٦] بالفتح فسدت صلاته وإن اعتقد معناه كفر فقد أخطأ، لأنه يمكن حمله على حذف لام التعليل وهو كثير في القرآن والشعر وفي كل كلام، وعليه تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلّم " أن الحمد والنعمة لك "، كسر أبو حنيفة وفتح الشافعي رحمة الله عليهما، وكلاهما تعليل.
فإن قلت : إن كان المفتوح بدلاً من ﴿ قَوْلُهُمْ ﴾ كأنه قيل : فلا يحزنك أنا نعلم ما يسرون وما يعلنون ففساده ظاهر.
قلت : هذا المعنى قائم مع المكسورة إذا جعلتها مفعولة للقول، فقد تبين أن تعلق الحزن بكون الله عالماً وعدم تعلقه لا يدوران على كسر " إن " وفتحها، وإنما يدوران على تقديرك فتفضل إن فتحت بـ " أن " تقدر معنى التعليل ولا تقدر معنى البدل كما أنك تفضل بتقدير معنى التعليل إذا كسرت ولا تقدر معنى المفعولية.
ثم إن قدرته كاسراً أو فاتحاً على ما عظم فيه الخطب ذلك القائل فما فيه إلا نهي رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن الحزن على علمه تعالى بسرهم وعلانيتهم، والنهي عن حزنه ليس إثباتاً لحزنه بذلك كما في قوله :﴿ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِّلْكَـافِرِينَ ﴾ [القصص : ٨٦] (القصص : ٦٨)، ﴿ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الأنعام : ١٤] (الأنعام : ٤١) ﴿ وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَـاهًا ءَاخَرَ ﴾ [القصص : ٨٨] (القصص : ٨٨).
ونزل في أبي بن خلف حين أخذ عظماً بالياً وجعل يفته بيده ويقول : يا محمد أترى الله يحيي
٢٢
هذا بعدما رم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم :" نعم ويبعثك ويدخلك جهنم ".
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢١