﴿ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [النساء : ١٦٧] أي أعرضوا وامتنعوا عن الدخول في الإسلام أوصدوا غيرهم عنه.
قال الجوهري : صد عنه يصد صدوداً أعرض، وصده عن الأمر صداً منعه وصرفه عنه.
وهم المطعمون يوم بدر أو أهل الكتاب أو عام في كل من كفر وصد ﴿ أَضَلَّ أَعْمَـالَهُمْ ﴾ [محمد : ١] أبطلها وأحبطها، وحقيقته جعلها ضالة ضائعة ليس لها من يتقبلها ويثيب عليها كالضالة من الإبل، وأعمالهم ما عملوه في كفرهم من صلة الأرحام وإطعام الطعام وعمارة المسجد الحرام، أو ما عملوه من الكيد لرسول الله صلى الله عليه وسلّم والصد عن سبيل الله ﴿ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ ﴾ [البقرة : ٨٢] هم ناس من قريش أو من الأنصار أو من أهل الكتاب أو عام ﴿ وَءَامَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ ﴾ [محمد : ٢] وهو القرآن، وتخصيص الإيمان بالمنزل على رسوله من بين ما يجب الإيمان به لتعظيم شأنه، وأكد ذلك بالجملة
٢١٩
الاعتراضية وهي قوله ﴿ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ﴾ [محمد : ٢] أي القرآن.
وقيل : إن دين محمد هو الحق إذ لا يرد عليه النسخ وهو ناسخ لغيره ﴿ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّـاَاتِهِمْ ﴾ [محمد : ٢] ستر بإيمانهم وعملهم الصالح ما كان منهم من الكفر والمعاصي لرجوعهم عنها وتوبتهم ﴿ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ ﴾ [محمد : ٢] أي حالهم وشأنهم بالتوفيق في أمور الدين وبالتسليط على الدنيا بما أعطاهم من النصرة والتأييد ﴿ ذَالِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَـاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ ﴾ [محمد : ٣] ﴿ ذَالِكَ ﴾ مبتدأ وما بعده خبره أي ذلك الأمر وهو إضلال أعمال أحد الفريقين وتكفير سيئات الثاني والإصلاح كائن بسبب اتباع هؤلاء الباطل وهو الشيطان وهؤلاء الحق وهو القرآن ﴿ كَذَالِكَ ﴾ مثل ذلك الضرب ﴿ يَضْرِبُ اللَّهُ ﴾ [الرعد : ١٧] أي يبين الله ﴿ لِلنَّاسِ أَمْثَـالَهُمْ ﴾ [محمد : ٣] والضمير راجع إلى الناس أو إلى المذكورين من الفريقين على معنى أنه يضرب أمثالهم لأجل الناس ليعتبروا بهم، وقد جعل اتباع الباطل مثلاً لعمل الكافرين، واتباع الحق مثلاً لعمل المؤمنين، أو جعل الإضلال مثلاً لخيبة الكفار، وتكفير السيئات مثلاً لفوز الأبرار.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢١٩
﴿ فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [محمد : ٤] من اللقاء وهو الحرب ﴿ فَضَرْبَ الرِّقَابِ ﴾ [محمد : ٤] أصله فاضربوا الرقاب ضرباً فحذف الفعل وقدم المصدر فأنيب منابه مضافاً إلى المفعول، وفيه اختصار مع إعطاء معنى التوكيد لأنك تذكر المصدر وتدل على الفعل بالنصبة التي فيه ﴿ فَضَرْبَ الرِّقَابِ ﴾ عبارة عن القتل لا أن الواجب أن تضرب الرقاب خاصة دون غيرها من الأعضاء، ولأن قتل الإنسان أكثر ما يكون بضرب رقبته فوقع عبارة عن القتل وإن ضرب غير رقبته ﴿ حَتَّى إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ ﴾ [محمد : ٤] أكثرتم فيهم القتل ﴿ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ ﴾ [محمد : ٤] فاسروهم والوثاق بالفتح والكسر اسم ما يوثق به، والمعنى فشدوا وثاق الأسارى حتى لا يفلتوا منكم ﴿ فَإِمَّا مَنَّا بَعْدُ ﴾ [محمد : ٤] أي بعد أن تأسروهم ﴿ وَإِمَّا فِدَآءً ﴾ [محمد : ٤] ﴿ مَنَّا ﴾ و ﴿ فِدَآءً ﴾ منصوبان بفعليهما مضمرين أي فإما تمنون مناً أو تفدون فداء، والمعنى التخيير
٢٢٠
بين الأمرين بعد الأسر بين أن يمنوا عليهم فيطلقوهم وبين أن يفادوهم، وحكم أسارى المشركين عندنا القتل أو الاسترقاق، والمن والفداء المذكوران في الآية منسوخ بقوله ﴿ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ﴾ [التوبة : ٥] (التوبة : ٥) لأن سورة " براءة " من آخر ما نزل.
وعن مجاهد : ليس اليوم منّ ولا فداء إنما هو الإسلام أو ضرب العنق.
أو المراد بالمن أن يمن عليهم بترك القتل ويسترقوا، أو يمن عليهم فيخلوا لقبولهم الجزية وبالفداء أن يفادى بأسراهم أسارى المسلمين فقد رواه الطحاوي مذهباً عن أبي حنيفة رحمه الله وهو قولهما، والمشهور أنه لا يرى فداءهم لا بمال ولا بغيره لئلا يعودوا حرباً علينا، وعند الشافعي رحمه الله تعالى : للإمام أن يختار أحد الأمور الأربعة : القتل والاسترقاق والفداء بأسارى المسلمين والمن.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢١٩