﴿ حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ﴾ [محمد : ٤] أثقالها وآلاتها التي لا تقوم إلا بها كالسلاح والكراع.
وقيل : أوزارها آثامها يعني حتى يترك أهل الحرب وهم المشركون شركهم بأن يسلموا وحتى لا يخلو من أن يتعلق بالضرب والشد أو بالمن والفداء، فالمعنى على كلا المتعلقين ـ عند الشافعي رحمه الله ـ أنهم لا يزالون على ذلك أبداً إلى أن لا يكون حرب مع المشركين، وذلك إذا لم يبق لهم شوكة.
وقيل : إذا نزل عيسى عليه السلام.
وعند أبي حنيفة رحمه الله : إذا علق بالضرب والشد فالمعنى أنهم يقتلون ويؤسرون حتى تضع جنس الحرب الأوزار، وذلك حين لا تبقى شوكة للمشركين.
وإذا علق بالمن والفداء فالمعنى أنه يمن عليهم ويفادون حتى تضع حرب بدر أوزارها إلا أن يتأول المن والفداء بما ذكرنا من التأويل ﴿ ذَالِكَ ﴾ أي الأمر ذلك فهو مبتدأ وخبر أو افعلوا بهم ذلك فهو في محل النصب ﴿ وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ انتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَـاكِن لِّيَبْلُوَا بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَـالَهُمْ ﴾ لانتقم منهم بغير قتال ببعض أسباب الهلاك كالخسف أو الرجفة أو غير ذلك ﴿ وَلَـاكِن ﴾ أمركم بالقتال ﴿ لِّيَبْلُوَا بَعْضَكُم بِبَعْضٍ ﴾ أي المؤمنين بالكافرين تمحيصاً للمؤمنين وتمحيقاً للكافرين ﴿ وَالَّذِينَ قُتِلُوا ﴾ [محمد : ٤] بصري وحفص.
﴿ قَـاتَلُوا ﴾ غيرهم ﴿ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَـالَهُمْ ﴾ [محمد : ٤].
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢١٩
﴿ سَيَهْدِيهِمْ ﴾ إلى طريق الجنة أو إلى الصواب في جواب منكر ونكير ﴿ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ ﴾ [محمد : ٥] يرضى خصماءهم ويقبل أعمالهم ﴿ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴾ [محمد : ٦] عن مجاهد : عرفهم مساكنهم فيها حتى لا
٢٢١
يحتاجون أن يسألوا أو طيبها لهم من العرف وهو طيب الرائحة.
﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ ﴾ [محمد : ٧] أي دين الله ورسوله ﴿ يَنصُرْكُمْ ﴾ على عدوكم ويفتح لكم ﴿ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد : ٧] في مواطن الحرب أو على محجة الإسلام ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [النور : ٣٩] في موضع رفع بالابتداء والخبر ﴿ فَتَعْسًا لَّهُمْ ﴾ [محمد : ٨] وعطف قوله ﴿ وَأَضَلَّ أَعْمَـالَهُمْ ﴾ [محمد : ٨] على الفعل الذي نصب لأن المعنى فقال تعساً لهم والتعس العثور.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : يريد في الدنيا القتل وفي الآخرة التردي في النار.
﴿ يَفْعَلْ ذَالِكَ ﴾ [النساء : ١١٤] أي التعس والضلال ﴿ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَآ أَنزَلَ اللَّهُ ﴾ [محمد : ٩] أي القرآن ﴿ فَأَحْبَطَ أَعْمَـالَهُمْ ﴾ يعني كفار أمتك ﴿ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَـاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ﴾ [محمد : ١٠] أهلكهم هلال استئصال ﴿ وَلِلْكَـافِرِينَ ﴾ مشركي قريش ﴿ أَمْثَـالُهَا ﴾ أمثال تلك الهلكة لأن التدمير يدل عليها ﴿ ذَالِكَ ﴾ أي نصر المؤمنين وسوء عاقبة الكافرين ﴿ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ ءَامَنُوا ﴾ وليهم وناصرهم ﴿ وَأَنَّ الْكَـافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ ﴾ [محمد : ١١] أي لا ناصر لهم فإن الله مولى العباد جميعاً من جهة الاختراع وملك التصرف فيهم، ومولى المؤمنين خاصة من جهة النصرة ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ جَنَّـاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانْهَـارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ ﴾ ينتفعون بمتاع الحياة الدنيا أياماً قلائل ﴿ وَيَأْكُلُونَ ﴾ غافلين غير
٢٢٢
متفكرين في العاقبة ﴿ كَمَا تَأْكُلُ الانْعَـامُ ﴾ [محمد : ١٢] في معالفها ومسارحها غافلة عما هي بصدده من النحر والذبح ﴿ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ ﴾ [محمد : ١٢] منزل ومقام.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢١٩