﴿ وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ ﴾ [الحج : ٤٨] أي وكم من قرية للتكثير وأراد بالقرية أهلها ولذلك قال ﴿ أَهْلَكْنَـاهُمْ ﴾ ﴿ هِىَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِى أَخْرَجَتْكَ ﴾ [محمد : ١٣] أي وكم من قرية أشد قوة من قومك الذين أخرجوك أي كانوا سبب خروجك ﴿ أَهْلَكْنَـاهُمْ فَلا نَاصِرَ لَهُمْ ﴾ [محمد : ١٣] أي فلم يكن لهم من ينصرهم ويدفع العذاب عنهم ﴿ أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ ﴾ [هود : ١٧] أي على حجة من عنده وبرهان وهو القرآن المعجز وسائر المعجزات يعني رسول الله صلى الله عليه وسلّم ﴿ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُواءُ عَمَلِهِ ﴾ [محمد : ١٤] هم أهل مكة الذين زين لهم الشيطان شركهم وعداوتهم لله ورسوله.
وقال سوء عمله ﴿ وَاتَّبَعُوا أَهْوَآءَهُم ﴾ [محمد : ١٤] للحمل على لفظ من ومعناه ﴿ مَّثَلُ الْجَنَّةِ ﴾ [الرعد : ٣٥] صفة الجنة العجيبة الشأن ﴿ الَّتِى وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ﴾ [الرعد : ٣٥] عن الشرك ﴿ فِيهَآ أَنْهَـارٌ ﴾ [محمد : ١٥] داخل في حكم الصلة كالتكرير لها ألا ترى إلى صحة قولك التي فيها أنهار، أو حال أي مستقرة فيها أنهار ﴿ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ ءَاسِنٍ ﴾ [محمد : ١٥] غير متغير اللون والريح والطعم.
يقال : أسن الماء إذا تغير طعمه وريحه ﴿ ءَاسِنٍ ﴾ مكي ﴿ وَأَنْهَـارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ ﴾ [محمد : ١٥] كما تتغير ألبان الدنيا إلى الحموضة وغيرها ﴿ وَأَنْهَـارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ ﴾ [محمد : ١٥] تأنيث لذ وهو اللذيذ ﴿ لِّلشَّـارِبِينَ ﴾ أي ما هو إلا التلذذ الخالص ليس معه ذهاب عقل ولا خمار ولا صداع ولا آفة من آفات الخمر ﴿ وَأَنْهَـارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى ﴾ [محمد : ١٥] لم يخرج من بطون النحل فيخالطه الشمع وغيره ﴿ وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ ﴾ [محمد : ١٥] ﴿ مَّثَلُ ﴾ مبتدأ خبره ﴿ كَمَنْ هُوَ خَـالِدٌ فِى النَّارِ وَسُقُوا مَآءً حَمِيمًا ﴾ [
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢١٩
محمد : ١٥] حاراً في النهاية ﴿ فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ ﴾ [محمد : ١٥] والتقدير :
٢٢٣
أمثل الجنة كمثل جزاء من هو خالد في النار؟ وهو كلام في صورة الإثبات ومعناه النفي لانطوائه تحت حكم كلام مصدّر بحرف الإنكار ودخوله في حيزه وهو قوله :﴿ أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُواءُ عَمَلِهِ ﴾ [محمد : ١٤].
وفائدة حذف حرف الإنكار زيادة تصوير لمكابرة من يسوي بين المتمسك بالبينة والتابع لهواه وأنه بمنزلة من يثبت التسوية بين الجنة التي تجري فيها تلك الأنهار وبين النار التي يسقى أهلها الحميم.
﴿ وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ ءَانِفًا ﴾ [محمد : ١٦] هم المنافقون كانوا يحضرون مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلّم فيسمعون كلامه ولا يعونه ولا يلقون له بالاً تهاوناً منهم، فإذا خرجوا قالوا لأولي العلم من الصحابة : ماذا قال الساعة على جهة الاستهزاء ﴿ أؤلئك الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَآءَهُمْ ﴾ [محمد : ١٦].
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢١٩
﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا ﴾ [
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٢٤