محمد : ١٧] بالإيمان واستماع القرآن ﴿ زَادَهُمْ ﴾ الله ﴿ هُدًى ﴾ أي بصيرة وعلماً أو شرح صدورهم ﴿ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا ﴾ [محمد : ١٧] أعانهم عليها أو آتاهم جزاء تقواهم أو بين لهم ما يتقون ﴿ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلا السَّاعَةَ ﴾ [محمد : ١٨] أي ينتظرون ﴿ أَن تَأْتِيَهُم ﴾ [محمد : ١٨] أي إتيانها فهو بدل اشتمال من ﴿ السَّاعَةَ ﴾ ﴿ بَغْتَةً ﴾ فجأة ﴿ فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا ﴾ [محمد : ١٨] علاماتها وهو مبعث محمد صلى الله عليه وسلّم وإنشقاق القمر والدخان.
وقيل : قطع الأرحام وقلة الكرام وكثرة اللئام ﴿ فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرَاـاهُمْ ﴾ [محمد : ١٨] قال الأخفش : التقدير فأنى لهم ذكراهم إذا جاءتهم ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ ﴾ [محمد : ١٩] أن الشأن ﴿ لا إِلَـاهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنابِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَـاتِ ﴾ والمعنى فاثبت على ما أنت عليه من العلم بوحدانية الله وعلى التواضع وهضم النفس باستغفار ذنبك وذنوب من على دينك.
وفي شرح التأويلات جاز أن يكون له ذنب فأمره بالاستغفار له ولكنا لا نعلمه، غير أن ذنب الأنبياء ترك الأفضل
٢٢٤
دون مباشرة القبيح، وذنوبنا مباشرة القبائح من الصغائر والكبائر.
وقيل : الفاآت في هذه الآيات لعطف جملة على جملة بينهما اتصال ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ ﴾ [محمد : ١٩] في معايشكم ومتاجركم ﴿ وَمَثْوَاـاكُمْ ﴾ ويعلم حيث تستقرون من منازلكم أو متقلبكم في حياتكم ومثوا كم في القبور، أو متقلبكم في أعمالكم ومثوا كم في الجنة والنار، ومثله حقيق بأن يتقى ويخشى وأن يستغفره وسئل سفيان ابن عيينة عن فضل العلم فقال : ألم تسمع قوله ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَـاهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنابِكَ ﴾ فأمر بالعمل بعد العلم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٢٤
﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ ءَامَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ ﴾ [محمد : ٢٠] فيها ذكر الجهاد ﴿ فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ ﴾ [محمد : ٢٠] في معنى الجهاد ﴿ مُّحْكَمَةٌ ﴾ مبينة غير متشابهة لا تحتمل وجهاً إلا وجوب القتال.
وعن قتادة : كل سورة فيها ذكر القتال فهي محكمة لأن النسخ لا يرد عليها من قبل أن القتال نسخ ما كان من الصفح والمهادنة وهو غير منسوخ إلى يوم القيامة ﴿ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ ﴾ [محمد : ٢٠] أي أمر فيها بالجهاد ﴿ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ﴾ [محمد : ٢٠] نفاق أي رأيت المنافقين فيما بينهم يضجرون منها ﴿ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِىِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ﴾ [محمد : ٢٠] أي تشخص أبصارهم جبناً وجزعاً كما ينظر من أصابته الغشية عند الموت ﴿ فَأَوْلَى لَهُمْ ﴾ [محمد : ٢٠] وعيد بمعنى فويل لهم وهو أفعل من الولى وهو القرب ومعناه الدعاء عليهم بأن يليهم المكروه ﴿ طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ ﴾ [محمد : ٢١] كلام مستأنف أي طاعة وقول معروف خير لهم ﴿ فَإِذَا عَزَمَ الامْرُ ﴾ [محمد : ٢١] فإذا جد الأمر ولزمهم فرض القتال ﴿ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ ﴾ [محمد : ٢١] في الإيمان والطاعة ﴿ لَكَانَ ﴾ الصدق ﴿ خَيْرًا لَّهُمْ ﴾ [محمد : ٢١] من كراهة الجهاد.
ثم التفت من الغيبة إلى الخطاب بضرب من التوبيخ والإرهاب فقال :
﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِى الارْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ﴾ [محمد : ٢٢] أي فلعلكم إن أعرضتم عن دين رسول الله صلى الله عليه وسلّم وسنته أن ترجعوا إلى ما كنتم عليه في
٢٢٥
الجاهلية من الإفساد في الأرض بالتغاور والتناهب وقطع الأرحام بمقاتلة بعض الأقارب بعضاً ووأد البنات.
وخبر عسى ﴿ أَن تُفْسِدُوا ﴾ [محمد : ٢٢] والشرط اعتراض بين الاسم والخبر والتقدير : فهل عسيتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم إن توليتم ﴿ أؤلئك ﴾ إشارة إلى المذكورين ﴿ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ ﴾ [محمد : ٢٣] أبعدهم عن رحمته ﴿ فَأَصَمَّهُمْ ﴾ عن استماع الموعظة ﴿ وَأَعْمَى أَبْصَـارَهُمْ ﴾ [محمد : ٢٣] عن إبصارهم طريق الهدى.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٢٤