﴿ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ ﴾ [محمد : ٢٤] فيعرفوا ما فيه من المواعظ والزواجر ووعيد العصاة حتى لا يجسروا على المعاصي.
و " أم " في ﴿ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ ﴾ [محمد : ٢٤] بمعنى بل وهمزة التقرير للتسجيل عليهم بأن قلوبهم مقفلة لا يتوصل إليها ذكره.
ونكرت القلوب لأن المراد على قلوب قاسية مبهم أمرها في ذلك، والمراد بعض القلوب وهي قلوب المنافقين، وأضيفت الأقفال إلى القلوب لأن المراد الأقفال المختصة بها وهي أقفال الكفر التي استغلقت فلا تنفتح نحو الرين والختم والطبع.
﴿ إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى ﴾ [محمد : ٢٥] أي المنافقون رجعوا إلى الكفر سراً بعد وضوح الحق لهم ﴿ الشَّيْطَانُ سَوَّلَ ﴾ [محمد : ٢٥] زين ﴿ لَهُمْ ﴾ جملة من مبتدأ وخبر وقعت خبراً لـ " إن " نحو : إن زيداً عمرو مر به ﴿ وَأَمْلَى لَهُمْ ﴾ [محمد : ٢٥] ومدّ لهم في الآمال والأماني ﴿ وَأَمْلَى ﴾ أبو عمرو أي امهلوا ومد في عمرهم ﴿ ذَالِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ ﴾ [محمد : ٢٦] أي المنافقون قالوا لليهود ﴿ سَنُطِيعُكُمْ فِى بَعْضِ الامْرِ ﴾ [محمد : ٢٦] أي عدواة محمد والقعود عن نصرته ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ ﴾ [محمد : ٢٦] على المصدر من أسر : حمزة وعلي وحفص.
﴿ إِسْرَارَهُمْ ﴾ غيرهم جمع سر ﴿ فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائكَةُ ﴾ [محمد : ٢٧] أي فكيف يعملون وما حيلتهم حينئذ
٢٢٦
﴿ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ﴾ [محمد : ٢٧] عن ابن عباس رضي الله عنهما : لا يتوفى أحد على معصية إلا يضرب من الملائكة في وجهه ودبره ﴿ ذَالِكَ ﴾ إشارة إلى التوفي الموصوف ﴿ بِأَنَّهُمُ ﴾ بسبب أنهم ﴿ اتَّبَعُوا مَآ أَسْخَطَ اللَّهَ ﴾ [محمد : ٢٨] من معاونة الكافرين ﴿ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ ﴾ [محمد : ٢٨] من نصرة المؤمنين ﴿ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ﴾ [محمد : ٩].
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٢٤
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ ﴾ [محمد : ٢٩] أحقادهم.
والمعنى أظن المنافقون أن الله تعالى لا يبرز بغضهم وعداوتهم للمؤمنين ﴿ وَلَوْ نَشَآءُ لارَيْنَاكَهُمْ ﴾ [محمد : ٣٠] لعرّفناكهم ودللناك عليهم ﴿ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ ﴾ [محمد : ٣٠] بعلامتهم وهو أن يسمهم الله بعلامة يعلمون بها وعن أنس رضي الله عنه : ما خفي على رسول الله صلى الله عليه وسلّم بعد هذه الآية أحد من المنافقين كان يعرفهم بسيماهم ﴿ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِى لَحْنِ الْقَوْلِ ﴾ [محمد : ٣٠] في نحوه وأسلوبه الحسن من فحوى كلامهم لأنهم كانوا لا يقدرون على كتمان ما في أنفسهم.
واللام في ﴿ فَلَعَرَفْتَهُم ﴾ داخلة في جواب " لو " كالتي في ﴿ لارَيْنَاكَهُمْ ﴾ كررت في المعطوف، وأما اللام في ﴿ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ ﴾ فواقعة مع النون في جواب قسم محذوف ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد : ٣٠] فيميز خيرها من شرها.
﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ ﴾ بالقتال إعلاماً لا استعلاماً أو نعاملكم معاملة المختبر ليكون أبلغ في إظهار العدل ﴿ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ ﴾ [محمد : ٣١] على الجهاد أي نعلم كائناً ما علمناه أنه سيكون ﴿ وَنَبْلُوَا أَخْبَارَكُمْ ﴾ [محمد : ٣١] أسراركم وليبلونكم حتى يعلم.
أبو بكر وعن الفضيل أنه كان إذا قرأها بكى وقال : اللهم لا تبلنا فإنك إن بلوتنا فضحتنا وهتكت أستارنا وعذبتنا ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَشَآقُّوا الرَّسُولَ ﴾ [محمد : ٣٢] وعادوه يعني
٢٢٧
المطعمين يوم بدر وقد مر ﴿ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى ﴾ [محمد : ٢٥] من بعد ما ظهر لهم أنه الحق وعرفوا الرسول ﴿ لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شيئا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ ﴾ [محمد : ٣٢] التي عملوها في مشاقة الرسول أي سيبطلها فلا يصلون منها إلى أغراضهم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٢٤
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد : ٣٣] بالنفاق أو بالرياء.


الصفحة التالية
Icon