﴿ لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ﴾ [الفتح : ٢] قيل : الفتح ليس بسبب للمغفرة والتقدير : إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً فاستغفر ليغفر لك الله ومثله ﴿ إِذَا جَآءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴾ [النصر : ١] إلى قوله ﴿ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ ﴾ [النصر : ٣] (النصر : ١، ٣) ويجوز أن يكون فتح مكة من حيث إنه جهاد للعدو سبباً للغفران.
وقيل : الفتح لم يكن ليغفر له بل لإتمام النعمة وهداية الصراط المستقيم والنصر العزيز، ولكنه لما عدد عليه هذه النعم وصلها بما هو أعظم النعم كأنه قيل : يسرّنا لك فتح مكة أو كذا لنجمع لك بين عز الدارين وأغراض العاجل والآجل ﴿ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنابِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ﴾ [الفتح : ٢] يريد جميع ما فرط منك أو ما تقدم من حديث مارية وما تأخر من امرأة زيد ﴿ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ ﴾ [يوسف : ٦] بإعلاء دينك وفتح البلاد على يدك ﴿ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ﴾ [الفتح : ٢] ويثبتك على الدين المرضي ﴿ وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا ﴾ [الفتح : ٣] قوياً منيعاً لا ذل بعده أبداً.
﴿ هُوَ الَّذِى أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِى قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَـانًا مَّعَ إِيمَـانِهِمْ ﴾ السكينة للسكون كالبهيتة للبهتان أي أنزل الله في قلوبهم السكون والطمأنينة بسبب الصلح ليزدادوا يقيناً إلى يقينهم.
وقيل : السكينة الصبر على ما أمر الله والثقة بوعد الله والتعظيم لأمر الله ﴿ عَظِيمًا ﴾.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٣٠
﴿ وَيُعَذِّبَ الْمُنَـافِقِينَ وَالْمُنَـافِقَـاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَـاتِ ﴾ [الفتح : ٦] أي ولله جنود السماوات والأرض يسلط بعضها على بعض كما يقتضيه علمه وحكمته، ومن قضيته أن سكن قلوب المؤمنين بصلح الحديبية ووعدهم أن يفتح لهم، وإنما قضى ذلك ليعرف
٢٣١
المؤمنون نعمة الله فيه ويشكروها فيثيبهم ويعذب الكافرين والمنافقين لما غاظهم من ذلك وكرهوه ﴿ الظَّآنِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ ﴾ [الفتح : ٦] وقع السوء عبارة عن رداءة الشيء وفساده.
يقال : فعل سوء أي مسخوط فاسد، والمراد ظنهم أن الله تعالى لا ينصر الرسول والمؤمنين ولا يرجعهم إلى مكة ظافرين فاتحيها عنوة وقهراً ﴿ عَلَيْهِمْ دَآ ـاِرَةُ السَّوْءِ ﴾ [التوبة : ٩٨] مكي وأبو عمرو أي ما يظنونه ويتربصونه بالمؤمنين فهو حائق بهم ودائر عليهم، والسوء الهلاك والدمار وغيرهما ﴿ دَآ ـاِرَةُ السَّوْءِ ﴾ [التوبة : ٩٨] بالفتح إلا أن المفتوح غلب في أن يضاف إليه ما يراد ذمه من كل شيء، وأما السوء فجارٍ مجرى الشر الذي هو نقيض الخير ﴿ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيرًا ﴾ [الفتح : ٦] جهنم ﴿ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ ﴾ [الفتح : ٤] فيدفع كيد من عادى نبيه عليه السلام والمؤمنين بما شاء منها ﴿ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا ﴾ [النساء : ١٥٨] غالباً فلا يرد بأسه ﴿ حَكِيمًا ﴾ فيما دبر.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٣٠
﴿ إِنَّآ أَرْسَلْنَـاكَ شَـاهِدًا ﴾ [الأحزاب : ٤٥] تشهد على أمتك يوم القيامة وهذه حال مقدرة ﴿ وَمُبَشِّرًا ﴾ للمؤمنين بالجنة ﴿ وَنَذِيرًا ﴾ للكافرين من النار ﴿ لِّتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [الفتح : ٩] والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلّم ولأمته ﴿ وَتُعَزِّرُوهُ ﴾ وتقووه بالنصر ﴿ وَتُوَقِّرُوهُ ﴾ وتعظموه ﴿ وَتُسَبِّحُوهُ ﴾ من التسبيح أو من السبحة، والضمائر لله عز وجل.
والمراد بتعزيز الله تعزيز دينه ورسوله، ومن فرق الضمائر فجعل الأولين للنبي صلى الله عليه وسلّم فقد أبعد ﴿ لِيُؤْمِنُوا ﴾ مكي وأبو عمرو والضمير للناس وكذا الثلاثة الأخيرة بالياء عندهما ﴿ بُكْرَةً ﴾ صلاة الفجر ﴿ وَأَصِيلا ﴾ الصلوات الأربع ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ ﴾ [الفتح : ١٠] أي بيعة الرضوان.
ولما قال ﴿ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ ﴾ [الفتح : ١٠] أكده تأكيداً على طريقة التخييل فقال ﴿ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ﴾ [الفتح : ١٠] يريد أن يد رسول الله صلى الله عليه وسلّم
٢٣٢


الصفحة التالية
Icon