التي تعلو أيدي المبايعين هي يد الله والله منزه عن الجوارح وعن صفات الأجسام، وإنما المعنى تقرير أن عقد الميثاق مع الرسول كعقده مع الله من غير تفاوت بينهما كقوله ﴿ مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾ [النساء : ٨٠] (النساء : ٠٨) و ﴿ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ ﴾ [الفتح : ١٠] خبر " إن " ﴿ فَمَن نَّكَثَ ﴾ [الفتح : ١٠] نقض العهد ولم يف بالبيعة ﴿ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ ﴾ [الفتح : ١٠] فلا يعود ضرر نكثه إلا عليه.
قال جابر بن عبد الله : بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم تحت الشجرة على الموت وعلى أن لا نفر فما نكث أحد منا البيعة إلا جد بن قيس وكان منافقاً اختبأ تحت بطن بعيره ولم يسر مع القوم ﴿ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَـاهَدَ ﴾ [الفتح : ١٠] يقال : وفيت بالعهد وأوفيت به ومنه قوله ﴿ أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ [المائدة : ١] (المائدة : ١) ـ ﴿ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ ﴾ [البقرة : ١٧٧] (البقرة : ٧٧١) ﴿ عَلَيْهُ اللَّهَ ﴾ [الفتح : ١٠] حفص ﴿ فَسَيُؤْتِيهِ ﴾ وبالنون حجازي وشامي ﴿ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء : ٤٠] الجنة.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٣٠
﴿ سَيَقُولُ لَكَ ﴾ [الفتح : ١١] إذا رجعت من الحديبية ﴿ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الاعْرَابِ ﴾ [الفتح : ١١] هم الذين خلّفوا عن الحديبية وهم أعراب غفار ومزينة وجهينة وأسلم وأشجع والدئل، وذلك أنه عليه السلام حين أراد المسير إلى مكة عام الحديبية معتمراً استنفر من حول المدينة من الأعراب وأهل البوادي ليخرجوا معه حذراً من قريش أن يعرضوا له بحرب أو يصدوه عن البيت، وأحرم هو صلى الله عليه وسلّم وساق معه الهدي ليعلم أنه لا يريد
٢٣٣
حرباً، فتثاقل كثير من الأعراب وقالوا : يذهب إلى قوم غزوه في عقر داره بالمدينة وقتلوا أصحابه فيقاتلهم وظنوا أنه يهلك فلا ينقلب إلى المدينة ﴿ شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا ﴾ [الفتح : ١١] هي جمع أهل اعتلوا بالشغل بأهاليهم وأموالهم وأنه ليس من يقوم بأشغالهم ﴿ فَاسْتَغْفِرْ لَنَا ﴾ [الفتح : ١١] ليغفر لنا الله تخلفنا عنك ﴿ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ ﴾ [الفتح : ١١] تكذيب لهم في اعتذارهم وأن الذي خلفهم ليس ما يقولون، وإنما هو الشك في الله والنفاق فطلبهم الاستغفار أيضاً ليس بصادر عن حقيقة ﴿ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شيئا ﴾ [الفتح : ١١] فمن يمنعكم من مشيئة الله وقضائه ﴿ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا ﴾ [الفتح : ١١] ما يضركم من قتل أو هزيمة ﴿ ضَرًّا ﴾ حمزة وعلي ﴿ أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعَا ﴾ [الفتح : ١١] من غنيمة وظفر.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٣٠
﴿ قُلُوبِكُمْ ﴾ زينه الشيطان ﴿ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ ﴾ [الفتح : ١٢] من علو الكفر وظهور الفساد ﴿ وَكُنتُمْ قَوْمَا بُورًا ﴾ [الفتح : ١٢] جمع بائر كعائذ وعوز من بار الشيء هلك وفسد أي وكنتم قوماً فاسدين في أنفسكم وقلوبكم ونياتكم لا خير فيكم، أو هالكين عند الله مستحقين لسخطه وعقابه ﴿ وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَـافِرِينَ ﴾ [الفتح : ١٣] أي لهم فأقيم الظاهر مقام الضمير للإيذان بأن من لم يجمع بين الإيمانين : الإيمان بالله والإيمان برسوله، فهو كافر ونكّر ﴿ سَعِيرًا ﴾ لأنها نار مخصوصة كما نكر ﴿ نَارًا تَلَظَّى ﴾ [الليل : ١٤] (الليل : ٤١) ﴿ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ ﴾ [آل عمران : ١٨٩] يدبره تدبير قادر حكيم ﴿ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ ﴾ [آل عمران : ١٢٩] يغفر ويعذب بمشيئته وحكمته وحكمته المغفرة للمؤمنين والتعذيب للكافرين ﴿ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴾ [النساء : ٩٦] سبقت رحمته غضبه.
٢٣٤