﴿ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ ﴾ [الحجرات : ١١] ولا تطعنوا أهل دينكم.
واللمز : الطعن والضرب باللسان ﴿ وَلا تَلْمِزُوا ﴾ [الحجرات : ١١] يعقوب وسهل.
والمؤمنون كنفس واحدة فإذا عاب المؤمن المؤمن فكأنما عاب نفسه.
وقيل : معناه لا تفعلوا ما تلمزون به لأن من فعل ما استحق به اللمز فقد لمز نفسه حقيقة ﴿ وَلا تَنَابَزُوا بِالالْقَـابِ ﴾ [الحجرات : ١١] التنابز بالألقاب التداعي بها، والنبز لقب السوء والتلقيب المنهي عنه هو ما يتداخل المدعو به كراهة لكونه تقصيراً به وذماً له، فأما ما يحبه فلا بأس به.
وروي أن قوماً من بني تميم استهزءوا ببلال وخباب وعمار وصهيب فنزلت.
وعن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تسخر من زينب بنت خزيمة وكانت قصيرة، وعن أنس رضي الله عنه : عيرت نساء النبي صلى الله عليه وسلّم أم سلمة بالقصر.
وروي أنها نزلت في ثابت بن قيس وكان به وقر فكانوا يوسعون له في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلّم ليسمع، فأتى يوماً وهو يقول تفسحوا
٢٥٠
حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال لرجل : تنح فلم يفعل.
فقال : من هذا؟ فقال الرجل : أنا فلان.
فقال : بل أنت ابن فلانة يريد أماً كان يعير بها في الجاهلية فخجل الرجل فنزلت فقال ثابت : لا أفخر على أحد في الحسب بعدها أبداً.
﴿ بِئْسَ اسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الايمَـانِ ﴾ [الحجرات : ١١] الاسم ههنا بمعنى الذكر من قولهم " طار اسمه في الناس بالكرم أو باللؤم " وحقيقته ما سما من ذكره وارتفع بين الناس كأنه قيل : بئس الذكر المرتفع للمؤمنين بسبب ارتكاب هذه الجرائم أن يذكروا بالفسق.
وقوله ﴿ بَعْدَ الايمَـانِ ﴾ [الحجرات : ١١] استقباح للجمع بين الإيمان وبين الفسق الذي يحظره الإيمان كما تقول " بئس الشأن بعد الكبرة الصبوة ".
وقيل : كان في شتائمهم لمن أسلم من اليهود يا يهودي يا فاسق فنهوا عنه، وقيل لهم : بئس الذكر أن تذكروا الرجل بالفسق واليهودية بعد إيمانه ﴿ افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوالَـائِكَ هُمُ الظَّـالِمُونَ ﴾ وحد وجمع للفظ من ومعناه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٤٨
﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ ﴾ [الحجرات : ١٢] يقال : جنبه الشر إذا أبعده عنه.
وحقيقته جعله في جانب فيعدى إلى مفعولين قال الله تعالى :﴿ وَاجْنُبْنِى وَبَنِىَّ أَن نَّعْبُدَ الاصْنَامَ ﴾ [إبراهيم : ٣٥] (إبراهيم : ٥٣) ومطاوعه اجتنب الشر فنقص مفعولاً والمأمور باجتنابه بعض الظن وذلك البعض موصوف بالكثرة ألا ترى إلى قوله ﴿ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ﴾ [الحجرات : ١٢] قال الزجاج : هو ظنك بأهل الخير سوأ، فأما أهل الفسق فلنا أن نظن فيهم مثل الذي ظهر منهم.
أو معناه اجتناباً كثيراً أو احترزوا من الكثير ليقع التحرز عن البعض، والإثم : الذنب الذي يستحق صاحبه العقاب ومنه قيل لعقوبته الأثام فعلا منه كالنكال والعذاب ﴿ وَلا تَجَسَّسُوا ﴾ [الحجرات : ١٢] أي لا تتبعوا عورات المسلمين ومعايبهم.
يقال : تجسس الأمر إذا تطلبه وبحث عنه تفعل من الجس.
وعن مجاهد : خذوا ما ظهر ودعوا ما ستر الله.
وقال سهل : لا تبحثوا عن طلب معايب ما ستره الله على عباده ﴿ وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ﴾ [الحجرات : ١٢] الغيبة الذكر بالعيب في ظهر الغيب وهي من الاغتياب كالغيلة من الاغتيال، وفي الحديث " هو أن تذكر أخاك بما يكره " فإن كان فيه فهو غيبة وإلا
٢٥١
بهتان.
وعن ابن عباس : الغيبة إدام كلاب الناس.