ولما نزلت هذه الآية جاءوا وحلفوا أنهم مخلصون فنزل ﴿ قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ ﴾ [الحجرات : ١٦] أي أتخبرونه بتصديق قلوبكم ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِى السَّمَـاوَاتِ وَمَا فِى الارْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [الحجرات : ١٦] من النفاق والإخلاص وغير ذلك ﴿ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ ﴾ [الحجرات : ١٧] أي بأن ﴿ أَسْلَمُوا ﴾ يعني بإسلامهم.
والمن ذكر الأيادي تعريضاً للشكر ﴿ قُل لا تَمُنُّوا عَلَىَّ إِسْلَـامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ ﴾ [الحجرات : ١٧] أي المنة لله عليكم ﴿ أَنْ هَدَاـاكُمْ ﴾ [الحجرات : ١٧] بأن هداكم أو لأن ﴿ لِلايمَـانِ إِن كُنتُمْ صَـادِقِينَ ﴾ [الحجرات : ١٧] إن صح زعمكم وصدقت دعواكم إلا أنكم تزعمون وتدعون ما الله عليم بخلافه، وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه تقديره إن كنتم صادقين في ادعائكم الإيمان بالله فلله المنة عليكم وقرىء ﴿ أَنْ هَدَاـاكُمْ ﴾ [الحجرات : ١٧] ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ وَاللَّهُ بَصِيرُ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحجرات : ١٨] وبالياء : مكي.
وهذا بيان لكونهم غير صادقين في دعواهم يعني أنه تعالى يعلم كل مستتر في العالم ويبصر كل عمل تعملونه في سركم وعلانيتكم لا يخفي عليه منه شيء فكيف يخفي عليه ما في ضمائركم
٢٥٥
سورة ق
مكية وهي خمس وأربعون آية
بسم الله الرحمن الرحيم
الكلام في ﴿ قا وَالْقُرْءَانِ الْمَجِيدِ * بَلْ عَجِبُوا ﴾ كالكلام في ﴿ وَالْقُرْءَانِ ذِى الذِّكْرِ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ سواء بسواء لالتقائهما في أسلوب واحد.والمجيد ذو المجد والشرف على غيره من الكتب ومن أحاط علماً بمعانيه وعمل بما فيه مجد عند الله وعند الناس.
وقوله ﴿ بَلْ عَجِبُوا ﴾ [
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٥٦
ق : ٢] أي كفار مكة ﴿ أَن جَآءَهُم مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ ﴾ [ق : ٢] أي محمد صلى الله عليه وسلّم إنكار لتعجبهم مما ليس بعجب وهو أن ينذرهم بالمخوف رجل منهم قد عرفوا عدالته وأمانته، ومن كان كذلك لم يكن إلا ناصحاً لقومه خائفاً أن ينالهم مكروه، وإذا علم أن مخوفاً أظلهم لزمه أن ينذرهم فكيف بما هو غاية المخاوف وإنكار لتعجبهم مما أنذرهم به من البعث مع علمهم بقدرة الله تعالى على خلق السماوات والأرض وما بينهما، وعلى اختراع كل شيء وإقرارهم بالنشأة الأولى مع شهادة العقل بأنه لا بد من الجزاء؟ ثم عول على أحد الإنكارين بقوله ﴿ تُرَابَا ﴾ دلالة على أن تعجبهم من البعث أدخل في الاستبعاد وأحق بالإنكار.
وضع الكافرون موضع الضمير للشهادة
٢٥٦
على أنهم في قولهم هذا مقدمون على الكفر العظيم، وهذا إشارة إلى الرجع.
و " إذا " منصوب بمضمر معناه أحين نموت ونبلى نرجع.
﴿ مِتْنَا ﴾ نافع وعلي وحمزة وحفص ﴿ ذَالِكَ رَجْعُ بَعِيدٌ ﴾ [ق : ٣] مستبعد مستنكر كقولك " هذا قول بعيد " أي بعيد من الوهم والعادة.
ويجوز أن يكون الرجع بمعنى المرجوع وهو الجواب، ويكون من كلام الله تعالى استبعاداً لإنكارهم ما أنذروا به من البعث، والوقف على ﴿ تُرَابَا ﴾ على هذا حسن، وناصب الظرف إذا كان الرجع بمعنى المرجوع ما دل عليه المنذر من المنذر به وهو البعث ﴿ قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الارْضُ مِنْهُمْ ﴾ [ق : ٤] رد لاستبعادهم الرجع لأن من لطف علمه حتى علم ما تنقص الأرض من أجساد الموتى وتأكله من لحومهم وعظامهم كان قادراً على رجعهم أحياء كما كانوا ﴿ وَعِندَنَا كِتَـابٌ حَفِيظُ ﴾ [ق : ٤] محفوظ من الشياطين ومن التغير وهو اللوح المحفوظ، أو حافظ لما أودعه وكتب فيه ﴿ بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ ﴾ [ق : ٥] إضراب أتبع الإضراب الأول للدلالة على أنهم جاءوا بما هو أفظع من تعجبهم وهو التكذيب بالحق الذي هو النبوة الثابتة بالمعجزات في أول وهلة من غير تفكر ولا تدبر ﴿ فَهُمْ فِى أَمْرٍ مَّرِيجٍ ﴾ [ق : ٥] مضطرب.
يقال : مرج الخاتم في الإصبع إذا اضطرب من سعته فيقولون تارة شاعر وطوراً ساحر ومرة كاهن لا يثبتون على شيء واحد.
وقيل : الحق القرآن.
وقيل : الإخبار بالبعث.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٥٦