ثم دلهم على قدرته على البعث فقال ﴿ أَفَلَمْ يَنظُرُوا ﴾ [ق : ٦] حين كفروا بالبعث ﴿ إِلَى السَّمَآءِ فَوْقَهُمْ ﴾ [ق : ٦] إلى آثار قدرة الله تعالى في خلق العالم ﴿ كَيْفَ بَنَيْنَـاهَا ﴾ [ق : ٦] رفعناها بغير عمد ﴿ وَزَيَّنَّـاهَا ﴾ بالنيرات ﴿ وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ ﴾ [ق : ٦] من فتوق وشقوق أي أنها سليمة من العيوب لا فتق فيها ولا صدع ولا خلل ﴿ وَالارْضَ مَدَدْنَـاهَا ﴾ [ق : ٧] دحوناها ﴿ وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ ﴾ [الحجر : ١٩] جبالاً ثوابت لولا هي
٢٥٧
لمالت ﴿ وَأَنابَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْج ﴾ [ق : ٧] صنف ﴿ بَهِيجٍ ﴾ يبتهج به لحسنه ﴿ تَبْصِرَةً وَذِكْرَى ﴾ [ق : ٨] لنبصر به ونذكر ﴿ لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ ﴾ [سبأ : ٩] راجع إلى ربه مفكر في بدائع خلقه.
﴿ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً مُّبَـارَكًا ﴾ [ق : ٩] كثير المنافع ﴿ فَأَنابَتْنَا بِهِ جَنَّـاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ ﴾ [ق : ٩] أي وحب الزرع الذي من شأنه أن يحصد كالحنطة والشعير وغيرهما ﴿ وَالنَّخْلَ بَاسِقَـاتٍ ﴾ [ق : ١٠] طوالاً في السماء ﴿ لَّهَا طَلْعٌ ﴾ [ق : ١٠] هو كل ما يطلع من ثمر النخيل ﴿ نَّضِيدٌ ﴾ منضود بعضه فوق بعض لكثرة الطلع وتراكمه أو لكثرة ما فيه من الثمر ﴿ رِّزْقًا لِّلْعِبَادِ ﴾ [ق : ١١] أي أنبتناها رزقاً للعباد لأن الإنبات في معنى الرزق فيكون ﴿ رِّزْقًا ﴾ مصدراً من غير لفظه، أو هو مفعول له أي أنبتناها لرزقهم ﴿ وَأَحْيَيْنَا بِهِ ﴾ [ق : ١١] بذلك الماء ﴿ بَلْدَةً مَّيْتًا ﴾ [ق : ١١] قد جف نباتها ﴿ كَذَالِكَ الْخُرُوجُ ﴾ [ق : ١١] أي كما حييت هذه البلدة الميتة كذلك تخرجون أحياء بعد موتكم لأن إحياء الموات كإحياء الأموات، والكاف في محل الرفع على الابتداء.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٥٦
﴿ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ ﴾ [القمر : ٩] قبل قريش ﴿ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَـابُ الرَّسِّ ﴾ [ق : ١٢] هو بئر لم تطو وهم قوم باليمامة وقيل أصحاب الأخدود ﴿ وَثَمُودُ * وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ﴾ أراد بفرعون وقومه كقوله ﴿ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلايْهِمْ ﴾ [يونس : ٨٣] (يونس : ٣٨) لأن المعطوف عليه قوم نوح والمعطوفات جماعة
٢٥٨
﴿ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ ﴾ سماهم إخوانه لأن بينهم وبينه نسباً قريباً ﴿ وَقَوْمُ تُّبَّعٍ ﴾ [ق : ١٤] هو ملك باليمن أسلم ودعا قومه إلى الإسلام فكذبوه وسمي به لكثرة تبعه ﴿ كُلِّ ﴾ أي كل واحد منهم ﴿ كَذَّبَ الرُّسُلَ ﴾ [ص : ١٤] لأن من كذب رسولاً واحداً فقد كذب جميعهم ﴿ فَحَقَّ وَعِيدِ ﴾ [ق : ١٤] فوجب وحل وعيدي وفيه تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلّم وتهديد لهم ﴿ أَفَعَيِينَا ﴾ عيي بالأمر إذا لم يهتد لوجه عمله والهمزة للإنكار ﴿ بِالْخَلْقِ الاوَّلِ ﴾ [ق : ١٥] أي أنا لم نعجز عن الخلق الأول فكيف نعجز عن الثاني والاعتراف بذلك اعتراف بالإعادة ﴿ بَلْ هُمْ فِى لَبْسٍ ﴾ [ق : ١٥] في خلط وشبهة قد لبس عليهم الشيطان وحيرهم وذلك تسويله إليهم أن إحياء الموتى أمر خارج عن العادة فتركوا لذلك الاستدلال الصحيح وهو أن من قدر على الإنشاء كان على الإعادة أقدر ﴿ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾ [ق : ١٥] بعد الموت.
وإنما نكر الخلق الجديد ليدل على عظمة شأنه وأن حق من سمع به أن يخاف ويهتم به.
﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الانسَـانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ﴾ [ق : ١٦] الوسوسة الصوت الخفي ووسوسة النفس ما يخطر ببال الإنسان ويهجس في ضميره من حديث النفس، والباء مثلها في قوله " صوت بكذا " ﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ ﴾ [ق : ١٦] المراد قرب علمه منه ﴿ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾ [ق : ١٦] هو مثل في فرط القرب، والوريد عرق في باطن العنق، والحبل العرق، والإضافة للبيان كقولهم " بعير سانية " ﴿ إِذْ يَتَلَقَّى ﴾ يعني الملكين الحافظين ﴿ الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ﴾ [ق : ١٧] التلقي التلقن بالحفظ والكتابة والقعيد والمقاعد بمعنى المجالس وتقديره عن اليمين قعيد وعن الشمال من المتلقيين فترك أحدهما لدلالة الثاني عليه كقوله :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٥٦
رماني بأمر كنت منه ووالدي
بريئاً ومن أجل الطوى رماني
أي رماني بأمر كنت منه بريئاً وكان والدي منه بريئاً.
و " إذ " منصوب بأقرب لما فيه
٢٥٩