من معنى يقرب، والمعنى إنه لطيف يتوصل علمه إلى خطرات النفس ولا شيء أخفى منه وهو أقرب من الإنسان من كل قريب حين يتلقى الحفيظان ما يتلفظ به إيذاناً بأن استحفاظ الملكين أمر هو غني عنه، وكيف لا يستغني عنه وهو مطلع على أخفى الخفيات؟ وإنما ذلك لحكمة وهو ما في كتبة الملكين وحفظهما وعرض صحائف العمل يوم القيامة من زيادة لطف له في الانتهاء عن السيئات والرغبة في الحسنات.
﴿ مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ ﴾ [ق : ١٨] ما يتكلم به وما يرمي به من فيه ﴿ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ ﴾ [ق : ١٨] حافظ ﴿ عَتِيدٌ ﴾ حاضر.
ثم قيل : يكتبان كل شيء حتى أنينه في مرضه.
وقيل : لا يكتبان إلا ما فيه أجر أو وزر.
وقيل : إن الملكين لا يجتنبانه إلا عند الغائط والجماع.
لما ذكر إنكارهم البعث واحتج عليهم بقدرته وعلمه أعلمهم أن ما أنكروه هم لاقوه عن قريب عند موتهم وعند قيام الساعة، ونبه على اقتراب ذلك بأن عبر عنه بلفظ الماضي وهو قوله ﴿ وَجَآءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ ﴾ [ق : ١٩] أي شدته الذاهبة بالعقل ملتبسة ﴿ بِالْحَقِّ ﴾ أي بحقيقة الأمر أو بالحكمة ﴿ ذَالِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ ﴾ [ق : ١٩] الإشارة إلى الموت والخطاب للإنسان في قوله ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الانسَـانَ ﴾ [المؤمنون : ١٢] على طريق الالتفات ﴿ تَحِيدُ ﴾ تنفر وتهرب ﴿ وَنُفِخَ فِى الصُّورِ ﴾ [ق : ٢٠] يعني نفخة البعث ﴿ ذَالِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ ﴾ [ق : ٢٠] أي وقت ذلك يوم الوعيد على حذف المضاف والإشارة إلى مصدر نفخ ﴿ وَجَآءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَآ ـاِقٌ وَشَهِيدٌ ﴾ [ق : ٢١] أي ملكان أحدهما يسوقه إلى المحشر والآخر يشهد عليه بعمله، ومحل ﴿ مَّعَهَا سَآ ـاِقٌ ﴾ [ق : ٢١] النصب على الحال من ﴿ كُلِّ ﴾ لتعرفه بالإضافة إلى ما هو في حكم المعرفة ﴿ لَّقَدْ كُنتَ ﴾ [ق : ٢٢] أي يقال لها لقد كنت ﴿ فِى غَفْلَةٍ مِّنْ هَـاذَا ﴾ [الأنبياء : ٩٧] النازل بك اليوم ﴿ فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ ﴾ [ق : ٢٢] أي فأزلنا غفلتك بما تشاهده ﴿ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾ [ق : ٢٢] جعلت الغفلة كأنها غطاء غطي به جسده كله أو غشاوة غطي بها عينيه فهو لا يبصر شيئاً،
٢٦٠
فإذا كان يوم القيامة تيقظ وزالت عنه الغفلة وغطاؤها فيبصر ما لم يبصره من الحق، ورجع بصره الكليل عن الإبصار لغفلته حديداً لتيقظه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٥٦
﴿ وَقَالَ قَرِينُهُ ﴾ [ق : ٢٣] الجمهور على أنه الملك الكاتب الشهيد عليه ﴿ هَـاذَا ﴾ أي ديوان عمله، مجاهد : شيطانه الذي قيض له في قوله ﴿ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَـانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ﴾ [الزخرف : ٣٦](الزخرف : ٦٣).
هذا أي الذي وكلت به ﴿ مَا لَدَىَّ عَتِيدٌ ﴾ [
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٦١
ق : ٢٣] ﴿ هَـاذَا ﴾ مبتدأ و ﴿ مَآ ﴾ نكرة بمعنى شيء والظرف بعده وصف له وكذلك ﴿ عَتِيدٌ ﴾ و ﴿ مَآ ﴾ وصفتها خبر ﴿ هَـاذَا ﴾ والتقدير هذا شيء ثابت لديّ عتيد.
ثم يقول الله تعالى ﴿ أَلْقِيَا ﴾ والخطاب للسائق والشهيد أو لمالك، وكأن الأصل ألق ألق فناب ألقيا عن ألق ألق لأن الفاعل كالجزء من الفعل فكانت تثنية الفاعل نائبة عن تكرار الفعل.
وقيل : أصله ألقين والألف بدل من النون إجراء للوصل مجرى الوقف دليله قراءة الحسن ﴿ أَلْقِيَا فِى جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ ﴾ [ق : ٢٤] بالنعم والمنعم ﴿ عَنِيدٍ ﴾ معاند مجانب للحق معاد لأهله ﴿ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ ﴾ [القلم : ١٢] كثير المنع للمال عن حقوقه أو مناع لجنس الخير أن يصل إلى أهله ﴿ مُعْتَدٍ ﴾ ظالم متخط للحق ﴿ مُّرِيبٍ ﴾ شاك في الله وفي دينه ﴿ الَّذِى جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَـاهًا ءَاخَرَ ﴾ [ق : ٢٦] مبتدأ متضمن معنى الشرط خبره ﴿ فَأَلْقِيَاهُ فِى الْعَذَابِ الشَّدِيدِ ﴾ [ق : ٢٦] أو بدل من ﴿ كُلَّ كَفَّارٍ ﴾ [البقرة : ٢٧٦] و ﴿ فَأَلْقِيَاهُ ﴾ تكرير للتوكيد ولا يجوز أن يكون صفة لـ ﴿ كَفَّارٍ ﴾ لأن النكرة لا توصف بالموصول.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٦١


الصفحة التالية
Icon