﴿ قَالَ قَرِينُهُ ﴾ [ق : ٢٧] أي شيطانه الذي قرن به وهو شاهد لمجاهد، وإنما أخليت هذه الجملة عن الواو دون الأولى لأن الأولى واجب عطفها للدلالة على الجمع بين معناها ومعنى ما قبلها في الحصول أعني مجيء كل نفس مع الملكين وقول قرينه ما قال له، وأما هذه فهي مستأنفة كما تستأنف الجمل الواقعة في حكاية التقاول كما في مقاولة موسى وفرعون، فكأن الكافر قال رب هو أطغاني فقال قرينه
٢٦١
﴿ رَبَّنَا مَآ أَطْغَيْتُهُ وَلَـاكِن كَانَ فِى ضَلَـال بَعِيدٍ ﴾ [ق : ٢٧] أي ما أوقعته في الطغيان ولكنه طغى واختار الضلالة على الهدى ﴿ قَالَ لا تَخْتَصِمُوا ﴾ [ق : ٢٨] هو استئناف مثل قوله تعالى ﴿ قَالَ قَرِينُهُ ﴾ [ق : ٢٧] كأن قائلاً قال : فماذا قال الله؟ فقيل : قال لا تختصموا ﴿ لَدَىَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ ﴾ [ق : ٢٨] أي لا تختصموا في دار الجزاء وموقف الحساب فلا فائدة في اختصامكم ولا طائل تحته وقد أوعدتكم بعذابي على الطغيان في كتبي وعلى ألسنة رسلي فما تركت لكم حجة عليّ.
والباء في ﴿ بِالْوَعِيدِ ﴾ مزيدة كما في قوله ﴿ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ ﴾ [البقرة : ١٩٥] (البقرة : ٥٩١) أو معدية على أن قدم مطاوع بمعنى تقدم ﴿ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَىَّ ﴾ [ق : ٢٩] أي لا تطمعوا أن أبدل قولي ووعيدي بإدخال الكفار في النار ﴿ وَمَآ أَنَا بِظَلَّـامٍ لِّلْعَبِيدِ ﴾ [ق : ٢٩] فلا أعذب عبداً بغير ذنب.
وقال ﴿ بِظَلَّـامٍ ﴾ على لفظ المبالغة لأنه من قولك هو ظالم لعبده وظلام لعبيده ﴿ يَوْمَ ﴾ نصب بـ أو بمضمر هو اذكر وأنذر ﴿ إِن نَّقُولُ ﴾ [هود : ٥٤] نافع وأبو بكر أي يقول الله ﴿ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَاتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ ﴾ [ق : ٣٠] وهو مصدر كالمجيد أي أنها تقول بعد امتلائها هل من مزيد أي هل بقي فيّ موضع لم يمتليء يعني قد امتلأت، أو أنها تستزيد وفيها موضع للمزيد وهذا على تحقيق القول من جهنم وهو غير مستنكر كإنطاق الجوارح، والسؤال لتوبيخ الكفرة لعلمه تعالى بأنها امتلأت أم لا.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٦١
﴿ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ ﴾ [ق : ٣١] غير نصب على الظرف أي مكاناً غير بعيد، أو على الحال وتذكيره لأنه على زنة المصدر كالصليل والمصادر يستوي في الوصف بها المذكر والمؤنث، أو على حذف الموصوف أي شيئاً غير بعيد ومعناه التوكيد كما تقول : هو قريب غير بعيد وعزيز غير ذليل ﴿ هَـاذَا ﴾ مبتدأ وهو إشارة إلى الثواب أو إلى مصدر أزلفت
٢٦٢
﴿ مَا تُوعَدُونَ ﴾ [الأنبياء : ١٠٩] صفته وبالياء : مكي ﴿ لِكُلِّ أَوَّابٍ ﴾ [ق : ٣٢] رجاع إلى ذكر الله خبره ﴿ حَفِيظُ ﴾ حافظ لحدوده جاء في الحديث " من حافظ على أربع ركعات في أول النهار كان أواباً حفيظاً " ﴿ مِنَ ﴾ مجرور المحل بدل من ﴿ أَوَّابٍ ﴾ أو رفع بالابتداء وخبره ﴿ ادْخُلُوهَا ﴾ على تقدير يقال لهم ادخولها بسلام لأن " من " في معنى الجمع ﴿ خَشِىَ الرَّحْمَـانَ ﴾ [ق : ٣٣] الخشية انزعاج القلب عند ذكر الخطيئة، وقرن بالخشية اسمه الدال على سعة الرحمة للثناء البليغ على الخاشي وهو خشيته مع علمه أنه الواسع الرحمة كما أثنى عليه بأنه خاشٍ مع أن المخشي منه غائب ﴿ بِالْغَيْبِ ﴾ حال من المفعول أي خشيه وهو غائب، أو صفة لمصدر خشي أي خشيه خشية ملتبسة بالغيب حيث خشي عقابه وهو غائب.
الحسن : إذا أغلق الباب وأرخى الستر ﴿ وَجَآءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ ﴾ [ق : ٣٣] راجع إلى الله.
وقيل : بسريرة مرضية وعقيدة صحيحة ﴿ ادْخُلُوهَا بِسَلَـامٍ ﴾ [الحجر : ٤٦] أي سالمين من زوال النعم وحلول النقم ﴿ ذَالِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ ﴾ [ق : ٣٤] أي يوم تقدير الخلود كقوله ﴿ فَادْخُلُوهَا خَـالِدِينَ ﴾ [الزمر : ٧٣] (الزمر : ٣٧) أي مقدرين الخلود ﴿ لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴾ [ق : ٣٥] على ما يشتهون، والجمهور على أنه رؤية الله تعالى بلا كيف.


الصفحة التالية
Icon