﴿ يَسْـاَلُونَ ﴾ فيقولون ﴿ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ ﴾ [الذاريات : ١٢] أي متى يوم الجزاء وتقديره : أيان وقوع يوم الدين لأنه إنما تقع الأحيان ظروفاً للحدثان.
وانتصب اليوم الواقع في الجواب بفعل مضمر دل عليه السؤال أي يقع ﴿ يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ﴾ [الذاريات : ١٣] ويجوز أن يكون مفتوحاً لإضافته إلى غير متمكن وهو الجملة، ومحله نصب بالمضمر الذي هو يقع أو رفع على هو يوم هم على النار يفتنون يحرقون
٢٦٧
﴿ ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ ﴾ [الذاريات : ١٤] أي تقول لهم خزنة النار ذوقوا عذابكم وإحراقكم بالنار ﴿ هَـاذَا ﴾ مبتدأ خبره ﴿ الَّذِى ﴾ أي هذا العذاب هو الذي ﴿ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ ﴾ [يونس : ٥١] في الدنيا بقولكم فأتنا بما تعدنا.
ثم ذكر حال المؤمنين فقال.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٦٦
﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِى جَنَّـاتٍ وَعُيُونٍ ﴾ [الحجر : ٤٥] أي وتكون العيون وهي الأنهار الجارية بحيث يرونها وتقع عليها أبصارهم لا أنهم فيها ﴿ ءَاخِذِينَ مَآ ءَاتَـاـاهُمْ رَبُّهُمْ ﴾ قابلين لكل ما أعطاهم من الثواب راضين به وآخذين حال من الضمير في الظرف وهو خبر إن ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَالِكَ ﴾ [الواقعة : ٤٥] قبل دخول الجنة في الدنيا ﴿ مُحْسِنِينَ ﴾ قد أحسنوا أعمالهم وتفسير إحسانهم ما بعده.
﴿ كَانُوا قَلِيلا مِّن الَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ﴾ [الذاريات : ١٧] ينامون.
و " ما " مزيدة للتوكيد و ﴿ يَهْجَعُونَ ﴾ خبر ﴿ كَانَ ﴾ والمعنى كانوا يهجعون في طائفة قليلة من الليل، أو مصدرية والتقدير : كانوا قليلاً من الليل هجوعهم فيرتفع هجوعهم لكونه بدلاً من الواو في ﴿ كَانُوا ﴾ لا بـ ﴿ قَلِيلا ﴾ لأنه صار موصوفاً بقوله ﴿ مِّن الَّيْلِ ﴾ [هود : ١١٤] خرج من شبه الفعل وعمله باعتبار المشابهة أي كان هجوعهم قليلاً من الليل، ولا يجوز أن تكون " ما " نافية على معنى أنهم لا يهجعون من الليل قليلاً ويحيونه كله لأن " ما " النافية لا يعمل ما بعدها فيما قبلها لا تقول : زيداً ما ضربت ﴿ وَبِالاسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الذاريات : ١٨] وصفهم بأنهم يحيون الليل متهجدين فإذا أسحروا أخذوا في الاستغفار كأنهم أسلفوا في ليلهم الجرائم، والسحر السدس الأخير من الليل ﴿ وَفِى أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّآ ـاِلِ ﴾ [الذاريات : ١٩] لمن يسأل لحاجته ﴿ وَالْمَحْرُومِ ﴾ أي الذي يتعرض ولا يسأل حياء.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٦٦
﴿ وَفِى الارْضِ ءَايَـاتٌ ﴾ [الذاريات : ٢٠] تدل على الصانع وقدرته وحكمته وتدبيره حيث هي
٢٦٨
مدحوة كالبساط لما فوقها، وفيها المسالك والفجاج للمتقلبين فيها وهي مجزأة ؛ فمن سهل ومن جبل وصلبة ورخوة وعذاة وسبخة، وفيها عيون متفجرة ومعادن مفتنة ودواب منبثة مختلفة الصور والأشكال متباينة الهيئات والأفعال ﴿ لِّلْمُوقِنِينَ ﴾ للموحدين الذين سلكوا الطريق السوي البرهاني الموصّل إلى المعرفة، فهم نظارون بعيون باصرة وأفهام نافذة كلما رأوا آية عرفوا وجه تأملها فازدادوا إيقاناً على إيقانهم ﴿ وَفِى أَنفُسِكُمْ ﴾ [الذاريات : ٢١] في حال ابتدائها وتنقلها من حال إلى حال، وفي بواطنها وظواهرها من عجائب الفطر وبدائع الخلق ما تتحير فيه الأذهان، وحسبك بالقلوب وما ركز فيها من العقول وبالألسن والنطق ومخارج الحروف وما في تركيبها وترتيبها ولطائفها من الآيات الساطعة والبينات القاطعة على حكمة مدبرها وصانعها مع الأسماء والأبصار والأطراف وسائر الجوارح وتأتيها لما خلقت له، وما سوى في الأعضاء من المفاصل للانعطاف والتثني فإنه إذا جسا منها شيء جاء العجز، وإذا استرخى أناخ الذل، فتبارك الله أحسن الخالقين.
وما قيل إن التقدير أفلا تبصرون في أنفسكم ضعيف لأنه يفضي إلى تقديم ما في حيز الاستفهام على حرف الاستفهام ﴿ أَفَلا تُبْصِرُونَ ﴾ [القصص : ٧٢] تنظرون نظر من يعتبر ﴿ وَفِى السَّمَآءِ رِزْقُكُمْ ﴾ [الذاريات : ٢٢] أي المطر لأنه سبب الأقوات، وعن الحسن أنه كان إذا رأى السحاب قال لأصحابه : فيه والله رزقكم ولكنكم تحرمونه بخطاياكم ﴿ وَمَا تُوعَدُونَ ﴾ [الذاريات : ٢٢] الجنة فهي على ظهر السماء السابعة تحت العرش، أو أراد أن ما ترزقونه في الدنيا وما توعدونه في العقبى كله مقدور مكتوب في السماء.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٦٦