﴿ فَوَرَبِّ السَّمَآءِ وَالارْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ ﴾ [الذاريات : ٢٣] الضمير يعود إلى الرزق أو إلى ﴿ مَّا تُوعَدُونَ ﴾ [الأنبياء : ١٠٩] ﴿ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ ﴾ [الذاريات : ٢٣] بالرفع : كوفي غير حفص صفة للحق أي حق مثل نطقكم،
٢٦٩
وغيرهم بالنصب أي إنه لحق حقاً مثل نطقكم، ويجوز أن يكون فتحاً لإضافته إلى غير متمكن و " ما " مزيدة.
وعن الأصمعي أنه قال : أقبلت من جامع البصرة فطلع أعرابي على قعود فقال : من الرجل؟ فقلت : من بني أصمع.
قال : من أين أقبلت؟ قلت : من موضع يتلى فيه كلام الله، قال : اتلو عليّ فتلوت ﴿ وَالذَّارِيَـاتِ ﴾ فلما بلغت قوله ﴿ وَفِى السَّمَآءِ رِزْقُكُمْ ﴾ [الذاريات : ٢٢] قال : حسبك.
فقام إلى ناقته فنحرها ووزعها على من أقبل وأدبر وعمد إلى سيفه وقوسه فكسرهما وولى، فلما حججت مع الرشيد وطفقت أطوف فإذا أنا بمن يهتف بي بصوت رقيق، فالتفت فإذا أنا بالأعرابي قد نحل واصفر فسلم عليّ واستقرأ السورة، فلما بلغت الآية صاح وقال : قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً ثم قال : وهل غير هذا؟ فقرأت ﴿ فَوَرَبِّ السَّمَآءِ وَالارْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ ﴾ [الذاريات : ٢٣] فصاح وقال : يا سبحان الله من ذا الذي أغضب الجليل حتى حلف لم يصدقوه بقوله حتى حلف قالها ثلاثاً وخرجت معها نفسه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٦٩
﴿ هَلْ أَتَـاـاكَ ﴾ [البروج : ١٧] تفخيم للحديث وتنبيه على أنه ليس من علم رسول الله صلى الله عليه وسلّم وإنما عرفه بالوحي وانتظامها بما قبلها باعتبار أنه قال ﴿ وَفِى الارْضِ ءَايَـاتٌ ﴾ [الذاريات : ٢٠] وقال في آخر هذه القصة ﴿ وَتَرَكْنَا فِيهَآ ءَايَةً ﴾ [الذاريات : ٣٧] ﴿ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ﴾ [الذاريات : ٢٤] الضيف للواحد والجماعة كالصوم والزور لأنه في الأصل مصدر ضافه، وكانوا اثني عشر ملكاً.
وقيل : تسعة عاشرهم جبريل.
وجعلهم ضيفاً لأنهم كانوا في صورة الضيف حيث أضافهم إبراهيم أو لأنهم كانوا في حسبانه كذلك ﴿ الْمُكْرَمِينَ ﴾ عند الله لقوله ﴿ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ ﴾ [الأنبياء : ٢٦] (الأنبياء : ٦٢) وقيل : لأنه خدمهم بنفسه وأخدمهم امرأته وعجل لهم القرى ﴿ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ ﴾ [الحجر : ٥٢] نصب بـ ﴿ الْمُكْرَمِينَ ﴾ إذا فسر بإكرام إبراهيم لهم وإلا فبإضمار اذكر ﴿ فَقَالُوا سَلَـامًا ﴾ [الحجر : ٥٢] مصدر سادٌّ مسد الفعل مستغنى به عنه، وأصله نسلم عليكم سلاماً ﴿ قَالَ سَلَـامٌ ﴾ [مريم : ٤٧] أي عليكم سلام فهو مرفوع على الابتداء وخبره محذوف، والعدول إلى الرفع للدلالة على إثبات السلام كأنه قصد أن يحييهم بأحسن مما حيوه به أخذاً بأدب الله، وهذا أيضاً من إكرامه لهم.
حمزة وعلي : سلم
٢٧٠
والسلم السلام ﴿ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ ﴾ [الحجر : ٦٢] أي أنتم قوم منكرون فعرفوني من أنتم ﴿ فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ ﴾ [الذاريات : ٢٦] فذهب إليهم في خفية من ضيوفه ومن أدب المضيف أن يخفي أمره وأن يبادر بالقرى من غير أن يشعر به الضيف حذراً من أن يكفه، وكان عامة مال إبراهيم عليه السلام البقر ﴿ فَجَآءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُا إِلَيْهِمْ ﴾ ليأكلوا منه فلم يأكلوا ﴿ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ ﴾ [الذاريات : ٢٧] أنكر عليهم ترك الأكل أو حثهم عليه ﴿ فَأَوْجَسَ ﴾ فأضمر ﴿ مِنْهُمْ خِيفَةً ﴾ [هود : ٧٠] خوفاً لأن من لم يأكل طعامك لم يحفظ ذمامك.
عن ابن عباس رضي الله عنهما : وقع في نفسه أنهم ملائكة أرسلوا للعذاب ﴿ قَالُوا لا تَخَفْ ﴾ [هود : ٧٠] إنا رسل الله، وقيل : مسح جبريل العجل فقام ولحق بأمه ﴿ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَـامٍ عَلِيمٍ ﴾ [الذاريات : ٢٨] أي يبلغ ويعلم والمبشر به إسحاق عند الجمهور.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٦٩


الصفحة التالية
Icon