يتلاقوا في زمان واحد بل جمعتهم العلة الواحدة وهي الطغيان والطغيان هو الحامل عليه ﴿ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ ﴾ [الصافات : ١٧٤] فأعرض عن الذين كررت عليهم الدعوة فلم يجيبوا عناداً ﴿ فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ ﴾ [الذاريات : ٥٤] فلا لوم عليك في إعراضك بعدما بلغت الرسالة وبذلت مجهودك في البلاغ والدعوة ﴿ وَذَكِّرْ ﴾ وعظ بالقرآن ﴿ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الذاريات : ٥٥] بأن تزيد في عملهم ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالانسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات : ٥٦] العبادة إن حملت على حقيقتها فلا تكون الآية عامة بل المراد بها المؤمنون من الفريقين دليله السياق أعني ﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الذاريات : ٥٥] وقراءة ابن عباس رضي الله عنهما ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالانسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ ﴾ وهذا لأنه لا يجوز أن يخلق الذين علم منهم أنهم لا يؤمنون للعبادة لأنه إذا خلقهم للعبادة وأراد منهم العبادة فلا بد أن توجد منهم، فإذا لم يؤمنوا علم أنهم خلقهم لجهنم كما قال :﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالانسِ ﴾ [الأعراف : ١٧٩] (الأعراف : ٩٧١).
وقيل : إلا لآمرهم بالعبادة وهو منقول عن علي رضي الله عنه.
وقيل : إلا ليكونوا عباداً لي.
والوجه أن تحمل العبادة على التوحيد فقد قال ابن عباس رضي الله عنهما : كل عبادة في القرآن فهي توحيد.
والكل يوحدونه في الآخرة لما عرف أن الكفار كلهم مؤمنون موحدون في الآخرة دليلة قوله ﴿ ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلا أَن قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ﴾ [الأنعام : ٢٣] (الأنعام : ٣٢).
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٧٢
نعم قد أشرك البعض في الدنيا بالإضافة إلى الأبد أقل من يوم، ومن اشترى غلاماً وقال : ما اشتريته إلا للكتابة كان صادقاً في قوله ما اشتريته إلا للكتابة، وإن استعمله في يوم من عمره لعمل آخر ﴿ مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ ﴾ [الذاريات : ٥٧] ما خلقتهم ليرزقوا أنفسهم أو واحداً من عبادي ﴿ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ ﴾ [الذاريات : ٥٧] قال ثعلب : أن يطعموا عبادي وهي إضافة تخصيص
٢٧٥
كقوله عليه السلام خبراً عن الله تعالى :" من أكرم مؤمناً فقد أكرمني ومن آذى مؤمناً فقد آذاني " ﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات : ٥٨] الشديد القوة والمتين بالرفع صفة لذو، وقرأ الأعمش بالجر صفة للقوة على تأويل الاقتدار ﴿ فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾ [الذاريات : ٥٩] رسول الله بالتكذيب من أهل مكة ﴿ ذَنُوبًا مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَـابِهِمْ ﴾ [الذاريات : ٥٩] نصيباً من عذاب الله مثل نصيب أصحابهم ونظرائهم من القرون المهلكة.
قال الزجاج : الذنوب في اللغة النصيب ﴿ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ ﴾ [الذاريات : ٥٩] نزول العذاب وهذا جواب النضر وأصحابه حين استعجلوا العذاب ﴿ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن يَوْمِهِمُ الَّذِى يُوعَدُونَ ﴾ [الذاريات : ٦٠] أي من يوم القيامة.
وقيل : من يوم بدر، ﴿ ءَانٍ ﴾.
﴿ فَلا ﴾ بالياء في الحالين : يعقوب، وافقه سهل في الوصل الباقون بغير ياء والله أعلم.
٢٧٦
سورة الطور
وهي تسع وأربعون آية مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ يُوعَدُونَ * وَالطُّورِ ﴾ [الطور : ١] هو الجبل الذي كلم الله عليه موسى وهو بمدين ﴿ وَكِتَـابٍ مُّسْطُورٍ ﴾ [الطور : ٢] هو القرآن ونكر لأنه كتاب مخصوص من بين سائر الكتب أو اللوح المحفوظ أو التوراة ﴿ فِى رَقٍّ ﴾ [الطور : ٣] هو الصحيفة أو الجلد الذي يكتب فيه ﴿ مَّنشُورٍ ﴾ مفتوح لا ختم عليه أو لائح ﴿ وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ ﴾ [الطور : ٤] أي الضراح وهو بيت في السماء حيال الكعبة وعمرانه بكثرة زواره من الملائكة.روي أنه يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ويخرجون ثم لا يعودون إليه أبداً.
وقيل : الكعبة لكونها معمورة بالحجاج والعمار ﴿ وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ ﴾ [الطور : ٥] أي السماء أو العرش ﴿ وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ ﴾ [الطور : ٦] المملوء أو الموقد، والواو الأولى للقسم والبواقي للعطف، وجواب القسم ﴿ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ ﴾ [الإسراء : ٥٧] أي الذي أوعد الكفار به ﴿ لَوَاقِعٌ ﴾ لنازل.
قال جبير بن
٢٧٧