مطعم : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم أكلمه في الأسارى فلقيته في صلاة الفجر يقرأ سورة الطور، فلما بلغ ﴿ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ ﴾ [الطور : ٧] أسلمت خوفاً من أن ينزل العذاب ﴿ مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ ﴾ لا يمنعه مانع والجملة صفة لـ " واقع " أي واقع غير مدفوع.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٧٧
والعامل في ﴿ يَوْمَ ﴾ ﴿ لَوَاقِعٌ ﴾ أي يقع في ذلك اليوم، أو اذكر ﴿ يَوْمَ تَمُورُ ﴾ [الطور : ٩] تدور كالرحى مضطربة ﴿ يَوْمَ تَمُورُ السَّمَآءُ مَوْرًا * وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا ﴾ في الهواء كالسحاب لأنها تصير هباء منثوراً ﴿ فَوَيْلٌ يَوْمَـاـاِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ * الَّذِينَ هُمْ فِى خَوْضٍ يَلْعَبُونَ ﴾ غلب الخوض في الاندفاع في الباطل والكذب ومنه قوله ﴿ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَآ ـاِضِينَ ﴾ [المدثر : ٤٥] (المدثر : ٥٤) ويبدل ﴿ يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا ﴾ [الطور : ١٣] من ﴿ يَوْمَ تَمُورُ ﴾ [الطور : ٩] والدع : الدفع العنيف وذلك أن خزنة النار يغلون أيديهم إلى أعناقهم ويجمعون نواصيهم إلى أقدامهم ويدفعونهم إلى النار دفعاً على وجوههم وزخاً في أقفيتهم فيقال لهم ﴿ هَـاذِهِ النَّارُ الَّتِى كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ ﴾ [الطور : ١٤] في الدنيا ﴿ أَفَسِحْرٌ هَـاذَآ ﴾ [الطور : ١٥] ﴿ هَـاذَآ ﴾ مبتدأ و ﴿ سَـاحِرٌ ﴾ خبره يعني كنتم تقولون للوحي هذا سحر أفسحر هذا يريد أهذا المصداق أيضاً سحر ودخلت الفاء لهذا المعنى ﴿ أَمْ أَنتُمْ لا تُبْصِرُونَ ﴾ [الطور : ١٥] كما كنتم لا تبصرون في الدنيا يعني أم أنتم عمي عن المخبر عنه كما كنتم عمياً عن الخبر وهذا تقريع وتهكم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٧٧
﴿ اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ ﴾ [الطور : ١٦] خبر ﴿ سَوَآءٌ ﴾ محذوف أي سواء
٢٧٨
عليكم الأمران الصبر وعدمه بقوله ﴿ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الطور : ١٦] لأن الصبر إنما يكون له مزية على الجزع لنفعه في العاقبة بأن يجازي عليه الصابر جزاء الخير، فأما الصبر على العذاب الذي هو الجزاء ولا عاقبة له ولا منفعة فلا مزية له على الجزع.
﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِى جَنَّـاتٍ ﴾ [الحجر : ٤٥] في أية جنات ﴿ وَنَعِيمٍ ﴾ أي وأي نعيم بمعنى الكمال في الصفة أو في جنات ونعيم مخصوصة بالمتقين خلقت لهم خاصة ﴿ فَـاكِهِينَ ﴾ حال من الضمير في الظرف والظرف خبر أي متلذذين ﴿ بِمَآ ءَاتَـاـاهُمْ رَبُّهُمْ ﴾ [الطور : ١٨] وعطف قوله ﴿ وَوَقَـاـاهُمْ رَبُّهُمْ ﴾ [الطور : ١٨] على ﴿ فِى جَنَّـاتٍ ﴾ [الصف : ١٢] أي إن المتقين استقروا في جنات.
ووقاهم ربهم، أو على ﴿ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ ﴾ [الذاريات : ١٦] على أن تجعل " ما " مصدرية والمعنى فاكهين بإيتائهم ربهم ووقايتهم ﴿ عَذَابَ الْجَحِيمِ ﴾ [غافر : ٧] أو الواو للحال و " قد " بعدها مضمرة يقال لهم ﴿ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيائَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الطور : ١٩] أكلاً وشرباً هنيئاً أو طعاماً وشراباً هنيئاً وهو الذي لا تنغيص فيه ﴿ مُتَّكِـاِينَ ﴾ حال من الضمير في ﴿ كُلُوا وَاشْرَبُوا ﴾ [البقرة : ٦٠] ﴿ عَلَى سُرُرٍ ﴾ [الحجر : ٤٧] جمع سرير ﴿ مَّصْفُوفَةٍ ﴾ موصول بعضها ببعض ﴿ وَزَوَّجْنَـاهُم ﴾ وقرناهم ﴿ بِحُورٍ ﴾ جمع حوراء ﴿ عِينٍ ﴾ عظام الأعين حسانها ﴿ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا ﴾ [البقرة : ١٦٥] مبتدأ و ﴿ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ﴾ [الطور : ٢١] خبره ﴿ وَاتَّبَعَتْهُمْ ﴾ ﴿ وَأَتْبَعْنَـاهُمْ ﴾ أبو عمرو ﴿ ذُرِّيَّتُهُم ﴾ أولادهم ﴿ بِإِيمَـانٍ ﴾ حال من الفاعل ﴿ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾ [الطور : ٢١] أي نلحق الأولاد
٢٧٩
بإيمانهم وأعمالهم درجات الآباء وإن قصرت أعمال الذرية عن أعمال الآباء.
وقيل : إن الذرية وإن لم يبلغون مبلغاً يكون منهم الإيمان استدلالاً وإنما تلقنوا منهم تقليداً فهم يلحقون بالآباء.
﴿ ذُرِّيَّتُهُم ﴾ مدني أبو عمرو شامي ﴿ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَـاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَىْءٍ ﴾ [الطور : ٢١] وما نقصناهم من ثواب عملهم من شيء.
﴿ أَلَتْنَـاهُم ﴾ مكي ألت يألت ألت يألت لغتان من الأولى متعلقة بألتناهم والثانية زائدة ﴿ كُلُّ امْرِى بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ﴾ [الطور : ٢١] أي مرهون فنفس المؤمن مرهونة بعمله وتجازى به.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٧٧


الصفحة التالية
Icon