ذكر لأنه لا يلتبس كقوله ﴿ مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا ﴾ [فاطر : ٤٥] (فاطر : ٥٤) ﴿ مَآ أَوْحَى ﴾ [النجم : ١٠] تفخيم للوحي الذي أوحي إليه.
قيل : أوحي إليه إن الجنة محرمة على الأنبياء حتى تدخلها وعلى الأمم حتى تدخلها أمتك ﴿ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ ﴾ [النجم : ١١] فؤاد محمد ﴿ مَا رَأَى ﴾ [النجم : ١١] ما رآه ببصره من صورة جبريل عليه السلام أي ما قال فؤاده لما رآه لم أعرفك، ولو قال ذلك لكان كاذباً لأنه عرفه يعني أنه رآه بعينه وعرفه بقلبه ولم يشك في أن ما رآه حق.
وقيل : المرئي هو الله سبحانه، رآه بعين رأسه وقيل بقلبه ﴿ أَفَتُمَـارُونَهُ ﴾ أفتجادلونه من المراء وهو المجادلة واشتقاقه من مرى الناقة كأن كل واحد من المتجادلين يمري ما عند صاحبه، ﴿ أَفَتُمَـارُونَهُ ﴾ حمزة وعلي وخلف ويعقوب، أفتغلبونه في المراء من ماريته فمريته ولما فيه من معنى الغلبة قال ﴿ عَلَى مَا يَرَى ﴾ [النجم : ١٢] فعدي بـ " على " كما تقول غلبته على كذا.
وقيل : أفتمرونه أفتجحدونه يقال : مريته حقه إذا جحدته وتعديته بـ " على " لا تصح إلا على مذهب التضمين.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٨٥
﴿ وَلَقَدْ رَءَاهُ ﴾ [التكوير : ٢٣] رأى محمد جبريل عليهما السلام ﴿ نَزْلَةً أُخْرَى ﴾ [النجم : ١٣] مرة أخرى من النزول نصبت النزلة نصب الظرف الذي هو مرة لأن الفعلة اسم للمرة من الفعل فكانت في حكمها أي نزل عليه جبريل عليه السلام نزلة أخرى في صورة نفسه فرآه عليها وذلك ليلة المعراج ﴿ عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى ﴾ [النجم : ١٤] الجمهور على أنها شجرة نبق في السماء السابعة عن يمين العرش.
والمنتهى بمعنى موضع الانتهاء أو الانتهاء كأنها في منتهى الجنة وآخرها، وقيل : لم يجاوزها أحد وإليها ينتهي علم الملائكة وغيرهم ولا يعلم أحد ما وراءها.
وقيل : تنتهي إليها أرواح الشهداء
٢٨٧
﴿ عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى ﴾ [النجم : ١٥] أي الجنة التي يصير إليها المتقون.
وقيل : تأوي إليها أرواح الشهداء ﴿ إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى ﴾ [النجم : ١٦] أي رآه إذ يغشى السدرة ما يغشى، وهو تعظيم وتكثير لما يغشاها، فقد علم بهذه العبارة أن ما يغشاها من الخلائق الدالة على عظمة الله تعالى وجلاله أشياء لا يحيط بها الوصف.
وقد قيل : يغشاها الجم الغفير من الملائكة يعبدون الله تعالى عن رؤية العجائب التي أمر برؤيتها ومكن منها ﴿ وَمَا طَغَى ﴾ [النجم : ١٧] وما جاوز ما أمر برؤيته.
﴿ لَقَدْ رَأَى ﴾ [النجم : ١٨] والله لقد رأى ﴿ مِنْ ءَايَـاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾ [النجم : ١٨] الآيات التي هي كبراها وعظماها يعني حين رقي به إلى السماء فأري عجائب الملكوت.
﴿ أَفَرَءَيْتُمُ اللَّـاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَواةَ الثَّالِثَةَ ﴾ أي أخبرونا عن هذه الأشياء التي تعبدونها من دون الله عز وجل هل لها من القدرة والعظمة التي وصف بها رب العزة؟ اللات والعزى ومناة أصنام لهم وهي مؤنثات، فاللات كانت لثقيف بالطائف.
وقيل : كانت بنخلة تعبدها قريش وهي فعلة من لوى لأنهم كانوا يلوون عليها ويعكفون للعبادة، والعزى كانت لغطفان وهي ثمرة وأصلها تأنيث الأعز وقطعها خالد بن الوليد، ومناة صخرة كانت لهذيل وخزاعة.
وقيل : لثقيف وكأنها سميت مناة لأن دماء النسائك كانت تمنى عندها أي تراق مكي مفعلة من النوء كأنهم كانوا يستمطرون عندها الأنواء تبركاً بها ﴿ الثَّالِثَةَ الاخْرَى ﴾ [النجم : ٢٠] هي صفة ذم أي المتأخرة الوضيعة المقدار، كقوله و ﴿ قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لاولَـاهُمْ ﴾ [الأعراف : ٣٨] (الأعراف : ٨٣) أي وضعاؤهم لرؤسائهم وأشرافهم، ويجوز أن تكون الأولية والتقدم عندهم للات والعزى كانوا يقولون : إن الملائكة وهذه الأصنام بنات الله وكانوا يعبدونهم ويزعمون أنهم شفعاؤهم عند الله مع وأدهم البنات وكراهتهم لهن فقيل لهم
٢٨٨
﴿ أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الانثَى * تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى ﴾ أي جعلكم لله البنات ولكم البنين قسمة ضيزى أي جائزة من ضازه يضيزه إذا ضامه.
و ﴿ ضِيزَى ﴾ فعلى إذ لا فعلى في النعوت فكسرت الضاد للياء كما قيل " بيض " وهو بوض مثل حمر وسود، بالهمز : مكي من ضأزه مثل ضازه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٨٥