وفيه تعسف يجب صون القرآن عن مثله، فإن كل واحد من الحذفين غير مردود على انفراده ولكن اجتماعهما منكر.
والفرق بين " سمعت فلاناً " يتحدث و " سمعت إليه يتحدث " و " سمعت حديثه " و " إلى حديثه "، أن المعدى بنفسه يفيد الإدراك، والمعدى بـ " إلى " يفيد الإصغاء مع الإدراك ﴿ إِلَى الْمَلا الاعْلَى ﴾ [الصافات : ٨] أي الملائكة لأنهم يسكنون السماوات، والإنس والجن هم الملأ الأسفل لأنهم سكان الأرض ﴿ وَيُقْذَفُونَ ﴾ يرمون بالشهب ﴿ مِن كُلِّ جَانِبٍ ﴾ [الصافات : ٨] من جميع جوانب السماء من أي جهة صعدوا للإستراق ﴿ دُحُورًا ﴾ مفعول له أي ويقذفون للدحور وهو الطرد، أو مدحورين على الحال، أو لأن القذف والطرد متقاربان في المعنى فكأنه قيل : يدحرون أو قذفاً ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ ﴾ [الصافات : ٩] دائم من الوصوب أي أنهم في الدنيا مرجومون بالشهب وقد أعد لهم في الآخرة نوع من العذاب دائم غير منقطع.
و " من " في ﴿ إِلا مَنْ ﴾ [سبأ : ٣٧] في محل الرفع بدل من الواو في ﴿ لا يَسَّمَّعُونَ ﴾ [الأعراف : ١٠٠] أي لا يسمع الشياطين إلا الشيطان الذي ﴿ خَطِفَ الْخَطْفَةَ ﴾ [الصافات : ١٠] أي سلب السلبة يعني أخذ شيئاً من كلامهم بسرعة ﴿ فَأَتْبَعَهُ ﴾ لحقه ﴿ شِهَابٌ ﴾ أي نجم رجم ﴿ ثَاقِبٌ ﴾ مضيء.
﴿ فَاسْتَفْتِهِمْ ﴾ فاستخبر كفار مكة ﴿ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا ﴾ [الصافات : ١١] أي أقوى خلقاً من قولهم شديد الخلق وفي خلقه شدة، أو أصعب خلقاً وأشقه على معنى الرد لإنكارهم البعث، وأن من هان عليه خلق هذه الخلائق العظيمة ولم يصعب عليه اختراعها كان خلق البشر عليه أهون ﴿ أَم مَّنْ خَلَقْنَآ ﴾ [الصافات : ١١] يريد ما ذكر من خلائقه من الملائكة والسماوات والأرض وما بينهما.
وجيء بـ " من " تغليباً للعقلاء على غيرهم ويدل عليه قراءة من قرأ " أم من " عددنا بالتشديد والتخفيف.
﴿ إِنَّا خَلَقْنَـاهُم مِّن طِينٍ لازِب ﴾ [الصافات : ١١] لاصق أو لازم وقرىء به، وهذا شهادة عليهم بالضعف لأن ما يصنع من الطين غير موصوف بالصلابة والقوة، أو احتجاج عليهم بأن الطين اللازب الذي خلقوا منه تراب فمن أين استنكروا أن يخلقوا من تراب مثله حيث قالوا أئذا كنا تراباً؟ وهذا
٢٨
المعنى يعضده ما يتلوه من ذكر إنكارهم البعث ﴿ بَلْ عَجِبْتَ ﴾ [الصافات : ١٢] من تكذيبهم إياك ﴿ وَيَسْخُرُونَ ﴾ هم منك ومن تعجبك، أو عجبت من إنكارهم البعث وهم يسخرون من أمر البعث، ﴿ بَلْ عَجِبْتَ ﴾ [الصافات : ١٢] حمزة وعلي أي استعظمت، والعجب روعة تعتري الإنسان عند استعظام الشيء فجرد لمعنى الاستعظام في حقه تعالى لأنه لا يجوز عليه الروعة، أو معناه قل يا محمد بل عجبت ﴿ وَإِذَا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ ﴾ [الصافات : ١٣] ودأبهم أنهم إذا وعظوا بشيء لا يتعظون به.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٦
﴿ وَإِذَا رَأَوْا ءَايَةً ﴾ [الصافات : ١٤] معجزة كانشقاق القمر ونحوه ﴿ يَسْتَسْخِرُونَ ﴾ يستدعي بعضهم بعضاً أن يسخر منها أو يبالغون في السخرية.
﴿ وَقَالُوا إِنْ هَـاذَآ ﴾ [الصافات : ١٥] ما هذا ﴿ إِلا سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴾ [المائدة : ١١٠] ظاهر ﴿ أَءِذَا ﴾ استفهام إنكار ﴿ مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَـامًا أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ﴾ [المؤمنون : ٨٢] أي أنبعث إذا كنا تراباً وعظاماً معطوف على محل " ان " واسمها، أو على الضمير في ﴿ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ ﴾ [المطففين : ٤] والمعنى أيبعث أيضاً آباؤنا على زيادة الاستبعاد يعنون أنهم أقدم فبعثهم أبعد وأبطل.
﴿ أَوَ ءَابَآؤُنَا ﴾ [الصافات : ١٧] بسكون الواو : مدني و شامي أي أيبعث واحد منا على المبالغة في الإنكار ﴿ الاوَّلُونَ ﴾ الأقدمون ﴿ قُلْ نَعَمْ ﴾ [الصافات : ١٨] تبعثون ﴿ نَعَمْ ﴾ علي وهما لغتان ﴿ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ ﴾ [الصافات : ١٨] صاغرون ﴿ فَإِنَّمَا هِىَ ﴾ [النازعات : ١٣] جواب شرط مقدر تقديره إذا كان كذلك فما هي إلا ﴿ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ ﴾ [النازعات : ١٣] و " هي " لا ترجع إلى شيء إنما هي مبهمة موضحها خبرها، ويجوز فإنما البعثة زجرة واحدة وهي النفخة الثانية.
والزجرة الصيحة من قولك زجر الراعي الإبل أو الغنم إذا صاح عليها ف ﴿ أَذَاـاهُمْ ﴾ أحياء بصراء ﴿ يَنظُرُونَ ﴾ إلى سوء أعمالهم أو ينتظرون ما يحل بهم
٢٩


الصفحة التالية
Icon