﴿ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ ﴾ [القمر : ٩] قبل أهل مكة ﴿ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا ﴾ [القمر : ٩] نوحاً عليه السلام.
ومعنى تكرار التكذيب أنهم كذبوه تكذيباً على عقب تكذيب كلما مضى منهم قرن مكذب تبعه قرن مكذب، أو كذبت قوم نوح الرسل فكذبوا عبدنا أي لما كانوا مكذبين بالرسل جاحدين للنبوة رأساً كذبوا نوحاً لأنه من جملة الرسل ﴿ وَقَالُوا مَجْنُونٌ ﴾ [القمر : ٩] أي هو مجنون ﴿ وَازْدُجِرَ ﴾ زجر عن أداء الرسالة بالشتم وهدد بالشتم وهدد بالقتل، أو هو من جملة قيلهم أي قالوا هو مجنون وقد ازدجرته الجن وتخبطته وذهبت بلبه ﴿ فَدَعَا رَبَّهُا أَنِّى ﴾ [القمر : ١٠] أي بأني ﴿ مَغْلُوبٌ ﴾ غلبني قومي فلم يسمعوا مني واستحكم اليأس من إجابتهم لي ﴿ فَانتَصِرْ ﴾ فانتقم لي منهم بعذاب تبعثه عليهم ﴿ فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ السَّمَآءِ ﴾ [القمر : ١١] ﴿ فَفَتَحْنَآ ﴾ شامي ويزيد وسهل ويعقوب ﴿ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ ﴾ [القمر : ١١] منصب في كثرة وتتابع لم ينقطع أربعين يوماً ﴿ وَفَجَّرْنَا الارْضَ عُيُونًا ﴾ [القمر : ١٢] وجعلنا الأرض كلها كأنها عيون تتفجر وهو أبلغ من قولك " وفجرنا عيون الأرض " ﴿ فَالْتَقَى الْمَآءُ ﴾ [القمر : ١٢] أي مياه السماء والأرض وقرىء أي النوعان من الماء السماوي والأرضي ﴿ الْمَآءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ﴾ [القمر : ١٢] على حال قدرها الله كيف شاء أو على أمر قد قدر في اللوح المحفوظ أنه يكون وهو هلاك قوم نوح بالطوفان.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٩٦
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٩٨
﴿ وَحَمَلْنَـاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ ﴾ [القمر : ١٣] أراد السفينة وهي من الصفات التي تقوم مقام الموصوفات فتنوب منابها وتؤدي مؤداها بحيث لا يفصل بينها وبينها ونحوه " ولكنّ قميصي مسرودة من حديدً أراد ولكن قميصي درع، ألا ترى أنك لو جمعت
٢٩٨
بين السفينة وبين هذه الصفة لم يصح، وهذا من فصيح الكلام وبديعه، والدسر جمع دسار وهو المسمار فعال من دسره إذا دفعه لأنه يدسر به منفذه ﴿ تَجْرِى بِأَعْيُنِنَا ﴾ [القمر : ١٤] بمرأى منا أو بحفظنا أو ﴿ بِأَعْيُنِنَا ﴾ حال من الضمير في ﴿ تَجْرِى ﴾ أي محفوظة بنا ﴿ جَزَآءً ﴾ مفعول له لما قدم من فتح أبواب السماء وما بعده أي فعلنا ذلك جزاء ﴿ لِّمَن كَانَ كُفِرَ ﴾ [القمر : ١٤] وهو نوح عليه السلام وجعله مكفوراً لأن النبي نعمة من الله ورحمة قال الله تعالى :﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَـاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَـالَمِينَ ﴾ [الأنبياء : ١٠٧].
(الأنبياء : ٧٠١) فكان نوح نعمة مكفورة ﴿ وَلَقَد تَّرَكْنَـاهَآ ﴾ [القمر : ١٥] أي السفينة أو الفعلة أي جعلناها ﴿ ءَايَةً ﴾ يعتبر بها.
وعن قتادة : أبقاها الله بأرض الجزيرة.
وقيل : على الجودي دهراً طويلاً حتى نظر إليها أوائل هذه الأمة ﴿ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ﴾ [القمر : ١٥] متعظ يتعظ ويعتبر، وأصله مذتكر بالذال والتاء ولكن التاء أبدلت منها الدال والدال والذال من موضع فأدغمت الذال في الدال ﴿ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ ﴾ [القمر : ١٦] جمع نذير وهو الإنذار يعقوب فيهما، وافقه سهل في الوصل.
غيرهما بغير ياء وعلى هذا الاختلاف ما بعده إلى آخر السورة ﴿ وَنُذُرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ ﴾ [القمر : ١٧] سهلناه للادّكار والاتعاظ بأن شحناه بالمواعظ الشافية وصرفنا فيه من الوعد والوعيد ﴿ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ﴾ [القمر : ١٥] متعظ يتعظ.
وقيل : ولقد سهلناه للحفظ وأعنا عليه من أراد حفظه فهل من طالب لحفظه ليعان عليه؟ ويروى أن كتب أهل الأديان نحو التوراة والإنجيل والزبور لا يتلوها أهلها إلا نظراً ولا يحفظونها ظاهراً كالقرآن.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٢٩٨
﴿ كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ ﴾ [القمر : ١٨] أي وإنذاراتي لهم بالعذاب قبل
٢٩٩


الصفحة التالية
Icon