﴿ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ ﴾ [الرحمن : ٥] بحساب معلوم وتقدير سوىٍ يجريان في بروجهما ومنازلهما وفي ذلك منافع للناس منها علم السنين والحساب ﴿ وَالنَّجْمُ ﴾ النبات الذي ينجم من الأرض لا ساق له كالبقول ﴿ وَالشَّجَرُ ﴾ الذي له ساق.
وقيل : النجم نجوم السماء ﴿ يَسْجُدَانِ ﴾ ينقادان لله تعالى فيما خلقا له تشبيهاً بالساجد من المكلفين في انقياده، واتصلت هاتان الجملتان بـ ﴿ الرَّحْمَـانُ ﴾ بالوصل المعنوي لما علم أن الحسبان حسبانه والسجود له لا لغيره كأنه قيل : الشمس والقمر بحسبانه والنجم والشجر يسجدان له.
ولم يذكر العاطف في الجمل الأولى ثم جيء به بعد، لأن الأولى وردت على سبيل التعديد تبكيتاً لمن أنكر آلاءه كما يبكت منكر أيادي المنعم عليه من الناس بتعديدها عليه في المثال المذكور، ثم رد الكلام إلى منهاجه بعد التبكيت في وصل ما يجب وصله للتناسب والتقارب بالعطف.
وبيان التناسب أن الشمس والقمر سماويان والنجم والشجر أرضيان، فبين القبيلين تناسب من حيث التقابل.
وإن السماء والأرض لا تزالان تذكران قرينتين وإن جري الشمس والقمر بحسبان من جنس الانقياد لأمر الله فهو مناسب لسجود النجم والشجر.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٠٦
﴿ وَالسَّمَآءَ رَفَعَهَا ﴾ [الرحمن : ٧] خلقها مرفوعة مسموكة حيث جعلها منشأ أحكامه ومصدر قضاياه ومسكن ملائكته الذين يهبطون بالوحي على أنبيائه، ونبه بذلك على كبرياء شأنه وملكه وسلطانه ﴿ وَوَضَعَ الْمِيزَانَ ﴾ [الرحمن : ٧] أي كل ما توزن به الأشياء وتعرف مقاديرها من ميزان وقرسطون ومكيال ومقياس أي خلقه موضوعاً على الأرض حيث علق به أحكام عباده من التسوية والتعديل في أخذهم وإعطائهم ﴿ أَلا تَطْغَوْا فِى الْمِيزَانِ ﴾ [الرحمن : ٨] لئلا تطغوا أو هي " أن " المفسرة
٣٠٧
﴿ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ ﴾ [الرحمن : ٩] وقوموا وزنكم بالعدل ﴿ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ ﴾ [الرحمن : ٩] ولا تنقصوه أمر بالتسوية ونهى عن الطيغان الذي هو اعتداء وزيادة، وعن الخسران الذي هو تطفيف ونقصان، وكرر لفظ الميزان تشديداً للتوصية به وتقوية للأمر باستعماله والحث عليه ﴿ وَالارْضَ وَضَعَهَا ﴾ [الرحمن : ١٠] حفضها مدحوّة على الماء ﴿ لِلانَامِ ﴾ للخلق وهو كل ما على ظهر الأرض من دابة.
وعن الحسن : الإنس والجن فهي كالمهاد لهم يتصرفون فوقها ﴿ فِيهَا فَـاكِهَةٌ ﴾ [الزخرف : ٧٣] ضروب مما يتفكه به ﴿ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الاكْمَامِ ﴾ [الرحمن : ١١] هي أوعية الثمر الواحد " كم " بكسر الكاف أو كل ما يكم أي يغطى من ليفه وسعفه وكفراه، وكله منتفع به كما ينتفع بالمكموم من ثمره وجماره وجذوعه ﴿ وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ ﴾ [الرحمن : ١٢] هو ورق الزرع أو التبن ﴿ وَالرَّيْحَانُ ﴾ الرزق وهو اللب أراد فيها ما يتلذذ به من الفواكه، والجامع بين التلذذ والتغذي هو ثمر النخل وما يتغذى به وهو الحب.
﴿ وَالرَّيْحَانُ ﴾ بالجر : حمزة وعلي أي والحب ذو العصف الذي هو علف الأنعام والريحان الذي هو مطعم الأنام، والرفع على و " ذو الريحان " فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه.
وقيل : معناه وفيها الريحان الذي يشم ﴿ وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ ﴾ شامي أي وخلق الحب والريحان أو وأخص الحب والريحان ﴿ فَبِأَىِّ ءَالاءِ ﴾ [النجم : ٥٥] أي النعم مما عدد من أول السورة جمع ألى وإلى ﴿ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾ [الرحمن : ١٣] الخطاب للثقلين بدلالة الأنام عليهما.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٠٦
﴿ خَلَقَ الانسَـانَ مِن صَلْصَـالٍ ﴾ [الرحمن : ١٤] طين يابس له صلصلة ﴿ كَالْفَخَّارِ ﴾ أي الطين المطبوخ بالنار وهو الخذف.
ولا اختلاف في هذا وفي قوله
٣٠٨