وقيل : إن عبد الله بن طاهر دعا الحسين بن الفضل وقال له : أشكلت عليّ ثلاث آيات دعوتك لتكشفها لي : قوله ﴿ فَأَصْبَحَ مِنَ النَّـادِمِينَ ﴾ [المائدة : ٣١] وقد صح أن الندم توبة، وقوله ﴿ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ ﴾ [الرحمن : ٢٩] وقد صح أن القلم جف بما هو كائن إلى يوم القيامة، وقوله ﴿ وَأَن لَّيْسَ لِلانسَـانِ إِلا مَا سَعَى ﴾ [النجم : ٣٩] فما بال الأضعاف؟ فقال الحسين : يجوز أن لا يكون الندم توبة في تلك الأمة، وقيل : إن ندم قابيل لم يكن على قتل هابيل ولكن على حمله.
وكذا قيل : وأن ليس للإنسان إلا ما سعى مخصوص بقوم إبراهيم وموسى عليهما السلام.
وأما قوله ﴿ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ ﴾ [الرحمن : ٢٩] فإنها شؤون يبديها لا شؤون يبتديها.
فقام عبد الله وقبل رأسه وسوع خراجه ﴿ فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * سَنَفْرُغُ لَكُمْ ﴾ مستعار من قول الرجل لمن يتهدده " سأفرغ لك " يريد سأتجرد للإيقاع بك من كل ما يشغلني عنه، والمراد التوفر على النكاية فيه والانتقام منه.
ويجوز أن يراد ستنتهي الدنيا وتبلغ آخرها وتنتهي عند ذلك شئون الخلق التي أرادها بقوله ﴿ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ ﴾ [الرحمن : ٢٩] فلا يبقى إلي شأن واحد وهو
٣١١
جزاؤكم فجعل ذلك فراغاً لهم على طريق المثل.
حمزة وعلي أي الله تعالى ﴿ سُواءٍ ءَايَةً أُخْرَى ﴾ الإنس والجن سميا بذلك لأنهما ثقلا الأرض.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٠٨
﴿ فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ﴾ [الرحمن : ١٣].
﴿ يَـامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالانسِ ﴾ [الأنعام : ١٣٠] هو كالترجمة لقوله ﴿ أَيُّهَ الثَّقَلانِ ﴾ [الرحمن : ٣١] ﴿ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ فَانفُذُوا ﴾ [الرحمن : ٣٣] أي إن قدرتم أن تخرجوا من جوانب السماوات والأرض هرباً من قضائي فاخرجوا، ثم قال ﴿ لا تَنفُذُونَ ﴾ [الرحمن : ٣٣] لا تقدرون على النفوذ ﴿ إِلا بِسُلْطَـانٍ ﴾ [الرحمن : ٣٣] بقوة وقهر وغلبة وأنى لكم ذلك؟ وقيل : دلهم على العجز عن قوتهم للحساب غداً بالعجز عن نفوذ الأقطار اليوم.
وقيل : يقال لهم هذا يوم القيامة حين تحدق بهم الملائكة فإذا رآهم الجن والإنس هربوا فلا يأتون وجهاً إلا وجدوا الملائكة احتاطت به ﴿ فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنتَصِرَانِ * فَبِأَىِّ ﴾ وبكسر الشين : مكي وكلاهما اللهب الخالص ﴿ وَنُحَاسٌ ﴾ أي دخان ﴿ وَنُحَاسٌ ﴾ مكي وأبو عمرو فالرفع عطف على شواظ، والجر على نار، والمعنى إذا خرجتم من قبوركم يرسل عليكما لهب خالص من النار ودخان يسوقكم إلى المحشر ﴿ فَلا تَنتَصِرَانِ ﴾ [الرحمن : ٣٥] فلا تمتنعان منهما ﴿ فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فَإِذَا انشَقَّتِ السَّمَآءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ ﴾ انفك بعضها من بعض لقيام الساعة ﴿ فَكَانَتْ وَرْدَةً ﴾ [الرحمن : ٣٧] فصارت كلون الورد الأحمر.
وقيل : أصل لون السماء الحمرة ولكن من بعدها ترى زرقاء ﴿ كَالدِّهَانِ ﴾ كدهن الزيت كما قال ﴿ كَالْمُهْلِ ﴾ (المعارج : ٨) وهو دردي الزيت وهو جمع دهن وقيل : الدهان الأديم الأحمر ﴿ كَالدِّهَانِ * فَبِأَىِّ ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فَيَوْمَـاـاِذٍ لا يُسْـاَلُ عَن ذَنابِهِ إِنسٌ ﴾ أي فيوم تنشق السماء
٣١٢
﴿ لا يُسْـاَلُ عَن ذَنابِهِ إِنسٌ وَلا جَآنٌّ ﴾ [الرحمن : ٣٩] أي ولا جن فوضع الجان الذي هو أبو الجن موضع الجن كما يقال : هاشم ويراد ولده والتقدير : لا يسئل إنس ولا جان عن ذنبه.
والتوفيق بين هذه الآية وبين قوله ﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْـاَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [الحجر : ٩٢] (الحجر : ٢٩) وقوله ﴿ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْـاُولُونَ ﴾ [الصافات : ٢٤] (الصافات : ٤٢) أن ذلك يوم طويل وفيه مواطن فيسألون في موطن ولا يسألون في آخر.
وقال قتادة : قد كانت مسئلة ثم ختم على أفواه القوم وتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون.
وقيل : لا يسئل عن ذنبه ليعلم من جهته ولكن يسئل للتوبيخ.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٠٨