ثم فسر الأزواج فقال ﴿ فَأَصْحَـابُ الْمَيْمَنَةِ ﴾ [الواقعة : ٨] مبتدأ وهم الذين يؤتون صحائفهم بأيمانهم ﴿ مَآ أَصْحَـابُ الْمَيْمَنَةِ ﴾ [الواقعة : ٨] مبتدأ وخبر وهما خبر المبتدأ الأول، وهو تعجيب من حالهم في السعادة وتعظيم لشأنهم كأنه قال : ما هم وأي شيء هم؟ ﴿ وَأَصْحَـابُ الْمَشْـاَمَةِ ﴾ [الواقعة : ٩] أي الذين يؤتون صحائفهم بشمائلهم أو أصحاب المنزلة السنية وأصحاب المنزلة الدنية الخسيسة من قولك : فلان مني باليمين وفلان مني بالشمال إذا وصفتهما بالرفعة عندك والضعة، وذلك لتيمنهم بالميامن وتشاؤمهم بالشمائل.
وقيل : يؤخذ بأهل الجنة ذات اليمين وبأهل النار ذات الشمال ﴿ مَآ أَصْحَـابُ الْمَشْئَمَةِ ﴾ [الواقعة : ٩] أي أيّ شيء هم؟ وهو تعجيب من حالهم بالشقاء ﴿ وَالسَّـابِقُونَ ﴾ مبتدأ ﴿ السَّـابِقُونَ ﴾ خبره تقديره السابقون إلى الخيرات السابقون إلى الجنات.
وقيل : الثاني تأكيد للأول والخبر ﴿ أؤلئك الْمُقَرَّبُونَ ﴾ [الواقعة : ١١] والأول أوجه ﴿ فِي جَنَّـاتِ النَّعِيمِ ﴾ [يونس : ٩] أي هم في جنات النعيم ﴿ ثُلَّةٌ مِّنَ الاوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِّنَ الاخِرِينَ ﴾ أي هم ثلة، والثلة الأمة من الناس الكثيرة، والمعنى أن السابقين كثير من الأولين وهم الأمم من لدن آدم إلى نبينا محمد عليهما السلام، وقليل من الآخرين وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلّم.
وقيل : من الأولين من متقدمي هذه الأمة، ومن الآخرين من متأخريها.
وعن النبي صلى الله عليه وسلّم :" الثلتان جميعاً من أمتي ".
٣١٨
﴿ عَلَى سُرُرٍ ﴾ [الحجر : ٤٧] جمع سرير ككثيب وكثب ﴿ مَّوْضُونَةٍ ﴾ مرمولة ومنسوجة بالذهب مشبكة بالدر والياقوت ﴿ مُّتَّكِـاِينَ ﴾ حال من الضمير في ﴿ عَلَى ﴾ وهو العامل فيها أي استقروا عليها متكئين ﴿ عَلَيْهَا مُتَقَـابِلِينَ ﴾ [الواقعة : ١٦] ينظر بعضهم في وجوه بعض ولا ينظر بعضهم في أقفاء بعض، وصفوا بحسن العشرة وتهذيب الأخلاق وصفاء المودة و ﴿ مُتَقَـابِلِينَ ﴾ حال أيضاً ﴿ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ ﴾ [الواقعة : ١٧] يخدمهم ﴿ وِلْدَانٌ ﴾ غلمان جمع وليد ﴿ مُّخَلَّدُونَ ﴾ مبقّون أبداً على شكل الولدان لا يتحولون عنه.
وقيل : مقرّطون والخلدة القرط.
قيل : هم أولاد أهل الدنيا لم تكن لهم حسنات فيثابوا عليها ولا سيئات فيعاقبوا عليها، وفي الحديث :" أولاد الكفار خدام أهل الجنة ".
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣١٧
﴿ بِأَكْوَابٍ ﴾ جمع كوب وهي آنية لا عروة لها ولا خرطوم ﴿ وَأَبَارِيقَ ﴾ جمع إبريق وهو ماله خرطوم وعروة ﴿ وَكَأْسٍ ﴾ وقدح فيه شراب وإن لم يكن فيه شراب فليس بكأس ﴿ مِّن مَّعِينٍ ﴾ [الصافات : ٤٥] من خمر تجري من العيون ﴿ لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا ﴾ [الواقعة : ١٩] أي بسببها وحقيقته لا يصدر صداعهم عنها أو لا يفرقون عنها ﴿ وَلا يُنزِفُونَ ﴾ [الواقعة : ١٩] ولا يسكرون.
نزف الرجل ذهب عقله بالسكر.
﴿ وَلا يُنزِفُونَ ﴾ [الواقعة : ١٩] بكسر الزاي : كوفي أي لا ينفد شرابهم.
يقال : أنزف القوم إذا فني شرابهم ﴿ وَفَـاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ ﴾ [الواقعة : ٢٠] يأخذون خيره وأفضله.
﴿ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ ﴾ [الواقعة : ٢١] يتمنون ﴿ وَحُورٌ ﴾ جمع حوراء ﴿ عِينٌ ﴾ جمع عيناء أي وفيها حور عين أو ولهم حور عين، ويجوز أن يكون عطفاً على ﴿ وِلْدَانٌ ﴾ ﴿ وَحُورٌ ﴾ : يزيد وحمزة وعلي عطفاً على ﴿ جَنَّـاتِ النَّعِيمِ ﴾ [المائدة : ٦٥] كأنه قال : هم في جنات النعيم وفاكهة ولحم وحورٍ
٣١٩
﴿ كَأَمْثَـالِ اللُّؤْلُواِ ﴾ [الواقعة : ٢٣] في الصفاء والنقاء ﴿ الْمَكْنُونِ ﴾ المصون.
وقال الزجاج : كأمثال الدر حين يخرج من صدفه لم يغيره الزمان واختلاف أحوال الاستعمال ﴿ جَزَآءَ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة : ١٧] جزاء مفعول له أي يفعل بهم ذلك كله لجزاء أعمالهم أو مصدر أي يجزون جزاء.
﴿ لا يَسْمَعُونَ فِيهَا ﴾ [مريم : ٦٢] في الجنة ﴿ لَغْوًا ﴾ باطلاً ﴿ وَلا تَأْثِيمًا ﴾ [الواقعة : ٢٥] هذياناً ﴿ إِلا قِيلا سَلَـامًا سَلَـامًا ﴾ [الواقعة : ٢٦] إلا قولاً ذا سلامة.
والاستثناء منقطع و ﴿ سَلَـامًا ﴾ بدل من ﴿ قِيلا ﴾ أو مفعول به لـ ﴿ قِيلا ﴾ أي لا يسمعون فيها إلا أن يقولوا سلاماً سلاماً.
والمعنى أنهم يفشون السلام بينهم فيسلمون سلاماً بعد سلام
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣١٧


الصفحة التالية
Icon