﴿ قُلْ إِنَّ الاوَّلِينَ وَالاخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَـاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ ﴾ إلى ما وقتت به الدنيا من يوم معلوم، والإضافة بمعنى " من " كخاتم فضة، والميقات ما وقت به الشيء أي حد ومنه مواقيت الإحرام وهي الحدود التي لا يجاوزها من يريد دخول مكة إلا محرماً ﴿ ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّآلُّونَ ﴾ [الواقعة : ٥١] عن الهدى ﴿ الْمُكَذِّبُونَ ﴾ بالبعث وهم أهل مكة ومن في مثل حالهم ﴿ لاكِلُونَ مِن شَجَرٍ ﴾ [الواقعة : ٥٢] " من " لابتداء الغاية ﴿ مِّن زَقُّومٍ ﴾ [الواقعة : ٥٢] " من " لبيان الشجر ﴿ فَمَالِـاُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * فَشَـارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ ﴾ أنث ضمير الشجر على المعنى وذكره على اللفظ في منها وعليه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٢٠
﴿ فَشَـارِبُونَ شُرْبَ ﴾ [الواقعة : ٥٥] بضم الشين : مدني وعاصم وحمزة وسهل، وبفتح الشين : غيرهم وهما مصدران ﴿ الْهِيمِ ﴾ هي إبل عطاش لا تروى جمع أهيم وهيماء، والمعنى أنه يسلط عليهم من الجوع ما يضطرهم إلى أكل الزقوم الذي هو كالمهل، فإذا ملئوا منه البطون سلط عليهم من العطش ما يضطرهم إلى شرب الحميم الذي يقطع أمعاءهم فيشربونه شرب الهيم.
وإنما صح عطف الشاربين على الشاربين وهما لذوات متفقة وصفتان متفقتان لأن كونهم شاربين للحميم على ما هو عليه من تناهي الحرارة، وقطع الأمعاء أمر عجيب وشربهم له على ذلك كما يشرب الهيم الماء أمر عجيب أيضاً فكانتا صفتين مختلفتين ﴿ هَـاذَا نُزُلُهُمْ ﴾ [الواقعة : ٥٦] هو الرزق الذي يعد للناس تكرمة له ﴿ يَوْمَ الدِّينِ ﴾ [الفاتحة : ٤] يوم الجزاء
٣٢٢
﴿ نَحْنُ خَلَقْنَـاكُمْ فَلَوْلا ﴾ [الواقعة : ٥٧] فهلا ﴿ تُصَدِّقُونَ ﴾ تحضيض على التصديق فكأنهم مكذبون به، وإما بالبعث لأن من خلق أولاً لم يمتنع عليه أن يخلق ثانياً.
﴿ أَفَرَءَيْتُم مَّا تُمْنُونَ ﴾ [الواقعة : ٥٨] ما تمنونه أي تقذفونه في الأرحام من النطف ﴿ ءَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ ﴾ تقدرونه وتصورونه وتجعلونه بشراً سوياً ﴿ أَمْ نَحْنُ الْخَـالِقُونَ * نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ ﴾ تقديراً قسمناه عليكم قسمة الأرزاق على اختلاف وتفاوت كما تقتضيه مشيئتنا فاختلفت أعماركم من قصير وطويل ومتوسط ﴿ قَدَّرْنَا ﴾ بالتخفيف : مكي سبقته بالشيء إذا أعجزته عنه وغلبته عليه، فمعنى قوله ﴿ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَـالَكُمْ ﴾ إنا قادرون على ذلك لا تغلبوننا عليه.
و ﴿ أَمْثَـالَكُمْ ﴾ جمع مثل أي على أن نبدل منكم ومكانكم أشباهكم من الخلق ﴿ وَنُنشِئَكُمْ فِى مَا لا تَعْلَمُونَ ﴾ [الواقعة : ٦١] وعلى أن ننشئكم في خلق لا تعلمونها وما عهدتم بمثلها يعني أنا نقدر على الأمرين جميعاً : على خلق ما يماثلكم وما لا يماثلكم، فكيف نعجز عن إعادتكم؟ ويجوز أن يكون ﴿ أَمْثَـالَكُمْ ﴾ جمع مثل أي على أن نبدل ونغير صفاتكم التي أنتم عليها في خلقكم وأخلاقكم وننشئكم في صفات لا تعلمونها ﴿ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الاولَى ﴾ [الواقعة : ٦٢] مكي وأبو عمرو ﴿ الاولَى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ ﴾ [الواقعة : ٦٢] أن من قدر على شيء مرة لم يمتنع عليه ثانياً، وفيه دليل صحة القياس حيث جهلهم في ترك قياس النشأة الأخرى على الأولى.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٢٠
﴿ أَفَرَءَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ ﴾ [الواقعة : ٦٣] ما تحرثونه من الطعام أي تثيرون الأرض
٣٢٣
وتلقون فيها البذر ﴿ ءَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ ﴾ تنبتونه وتردونه نباتاً ﴿ أَمْ نَحْنُ الزاَّرِعُونَ ﴾ [الواقعة : ٦٤] المنبتون وفي الحديث :" لا يقولن أحدكم زرعت وليقل حرثت " ﴿ لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَـاهُ حُطَـامًا ﴾ هشيماً متكسراً قبل إدراكه ﴿ فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ﴾ [الواقعة : ٦٥] تعجبون أو تندمون على تعبكم فيه وإنفاقكم عليه، أو على ما اقترفتم من المعاصي التي أصبتم بذلك من أجلها ﴿ إِنَّآ ﴾ أي تقولون إنا أبو بكر ﴿ إِنَّا لَمُغْرَمُونَ ﴾ [الواقعة : ٦٦] لملزمون غرامة ما أنفقنا أو مهلكون لهلاك رزقنا من الغرام وهو الهلاك ﴿ بَلْ نَحْنُ ﴾ [الحجر : ١٥] قوم ﴿ مَحْرُومُونَ ﴾ محارفون محدودون لا مجدودون لا حظ لنا ولا بخت لنا ولو كنا مجدودين لما جرى علينا هذا.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٢٠