﴿ أَفَرَءَيْتُمُ الْمَآءَ الَّذِى تَشْرَبُونَ ﴾ أي الماء العذب الصالح للشرب ﴿ ءَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ ﴾ السحاب الأبيض وهو أعذب ماء ﴿ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ ﴾ [الواقعة : ٦٩] بقدرتنا ﴿ لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَـاهُ أُجَاجًا ﴾ [الواقعة : ٧٠] ملحاً أو مراً لا يقدر على شربه ﴿ فَلَوْلا تَشْكُرُونَ ﴾ [الواقعة : ٧٠] فهلا تشكرون.
ودخلت اللام على جواب لو في قوله ﴿ لَجَعَلْنَـاهُ حُطَـامًا ﴾ [الواقعة : ٦٥] ونزعت منه هنا، لأن " لو " لما كانت داخلة على جملتين معلقة ثانيتهما بالأولى تعلق الجزاء بالشرط ولم تكن مخلصة الشرط كـ " إن " ولا عاملة مثلها وإنما سرى فيها معنى الشرط اتفاقاً من حيث إفادتها في مضموني جملتيها، أن الثاني امتنع لامتناع الأول افتقرت في جوابها إلى ما ينصب علماً على هذا التعلق، فزيدت هذه اللام لتكون علماً على ذلك، ولما شهر موقعه لم يبال بإسقاطه عن اللفظ لعلم كل أحد به وتساوي حالي حذفه وإثباته، على أن تقدم ذكرها والمسافة قصيرة مغنٍ عن ذكرها ثانية، ولأن هذه اللام تفيد معنى التأكيد لا محالة فأدخلت في آية المطعوم دون آية المشروب للدلالة على أن المطعوم مقدم على أمر المشروب، وأن الوعيد بفقده أشد وأصعب من قبل أن المشروب إنما يحتاج إليه تبعاً للمطعوم، ولهذا قدمت آية المطعوم على آية المشروب.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٢٤
﴿ أَفَرَءَيْتُمُ النَّارَ الَّتِى تُورُونَ ﴾ تقدحونها وتستخرجونها من الزناد،
٣٢٤
والعرب تقدح بعودين تحك أحدهما على الآخر ويسمون الأعلى الزند والأسفل الزندة شبهوهما بالفحل والطروقة ﴿ ءَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَآ ﴾ التي منها الزناد ﴿ أَمْ نَحْنُ ﴾ الخالقون لها ابتداء ﴿ الْمُنشِـاُونَ * نَحْنُ جَعَلْنَـاهَا ﴾ [الواقعة : ٧٣] أي النار ﴿ تَذْكِرَةً ﴾ تذكيراً لنار جهنم حيث علقنا بها أسباب المعاش وعممنا بالحاجة إليها البلوى لتكون حاضرة للناس ينظرون إليها ويذكرون ما أوعدوا به ﴿ وَمَتَـاعًا ﴾ ومنفعة ﴿ لِّلْمُقْوِينَ ﴾ للمسافرين النازلين في القواء وهي القفر، أو للذين خلت بطونهم أو مزاودهم من الطعام من قولهم " أقوت الدار " إذا خلت من ساكنيها.
بدأ بذكر خلق الإنسان فقال ﴿ أَفَرَءَيْتُم مَّا تُمْنُونَ ﴾ [الواقعة : ٥٨] لأن النعمة فيه سابقة على جميع النعم، ثم بما فيه قوامه وهو الحب فقال ﴿ أَفَرَءَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ ﴾ [الواقعة : ٦٣] ثم بما يعجن به ويشرب عليه وهو الماء، ثم بما يخبز به وهو النار، فحصول الطعام بمجموع الثلاثة ولا يستغني عنه الجسد ما دام حياً ﴿ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ ﴾ [الواقعة : ٧٤] فنزه ربك عما لا يليق به أيها المستمع المستدل، أو أراد بالاسم الذكر أي فسبح بذكر ربك ﴿ الْعَظِيمِ ﴾ صفة للمضاف أو للمضاف إليه.
وقيل : قل سبحان ربي العظيم وجاء مرفوعاً أنه لما نزلت هذه الآية قال : اجعلوها في ركوعكم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٢٤
﴿ فَلا أُقْسِمُ ﴾ [التكوير : ١٥] أي فأقسم و " لا " مزيدة مؤكدة مثلها قوله ﴿ لِّئَلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَـابِ ﴾ [الحديد : ٢٩] (الحديد : ٩٢) وقرىء ومعناه فلأنا أقسم، اللام لام الابتداء دخلت على جملة من مبتدأ وخبر وهي " أنا أقسم "، ثم حذف المبتدأ.
ولا يصح أن تكون اللام لام القسم لأن حقها أن تكون اللام لام القسم لأن حقها أن تقرن بها النون المؤكدة ﴿ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ﴾ [الواقعة : ٧٥] بمساقطها ومغاربها ﴿ بِمَوَاقِعِ ﴾ حمزة وعلي، ولعل لله تعالى في آخر الليل إذا انحطت النجوم إلى المغرب أفعالاً مخصوصة عظيمة أو للملائكة عبادات موصوفة، أو لأنه وقت قيام المتهجدين ونزول الرحمة والرضوان عليهم فلذلك أقسم بمواقعها واستعظم ذلك بقوله ﴿ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾ [الواقعة : ٧٦] وهو اعتراض في اعتراض لأنه اعترض به بين القسم والمقسم عليه وهو قوله ﴿ إِنَّهُ لَقُرْءَانٌ كَرِيمٌ ﴾ [الواقعة : ٧٧] حسن مرضي أو نفاع جم المنافع أو كريم على الله، واعترض بـ ﴿ لَّوْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الواقعة : ٧٦] بين الموصوف وصفته
٣٢٥


الصفحة التالية
Icon