لكم في ترك الإنفاق في سبيل الله والجهاد مع رسوله والله مهلككم فوارث أموالكم؟ وهو من أبلغ البعث على الإنفاق في سبيل الله.
ثم بين التفاوت بين المنفقين منهم فقال ﴿ لا يَسْتَوِى مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَـاتَلَ ﴾ [الحديد : ١٠] أي فتح مكة قبل عز الإسلام وقوة أهله ودخول الناس في دين الله أفواجاً، ومن أنفق من بعد الفتح فحذف لأن قوله ﴿ مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ ﴾ [الحديد : ١٠] يدل عليه ﴿ أؤلئك ﴾ الذين أنفقوا قبل الفتح وهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلّم :" لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ".
﴿ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَـاتَلُوا وَكُلا ﴾ [الحديد : ١٠] أي كل واحد من الفريقين ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ﴾ [الحديد : ١٠] أي المثوبة الحسنى وهي الجنة مع تفاوت الدرجات.
﴿ وَكُلا ﴾ مفعول أول لـ ﴿ وَعَدَ ﴾ و ﴿ الْحُسْنَى ﴾ مفعول ثانٍ.
﴿ وَكُلٌّ ﴾ : شامي أي وكل وعده الله الحسنى نزلت في أبي بكر رضي الله عنه لأنه أول من أسلم وأول من أنفق في سبيل الله وفيه دليل على فضله وتقدمه ﴿ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [البقرة : ٢٣٤] فيجازيكم على قدر أعمالكم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٢٨
﴿ مَّن ذَا الَّذِى يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ﴾ [البقرة : ٢٤٥] بطيب نفسه والمراد الإنفاق في سبيله واستعير لفظ القرض ليدل على التزام الجزاء ﴿ فَيُضَـاعِفَهُ لَهُ ﴾ [البقرة : ٢٤٥] أي يعطيه أجره على إنفاقه أضعافاً مضاعفة من فضله ﴿ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ ﴾ [الحديد : ١١] أي وذلك الأجر المضموم إليه الأضعاف كريم في نفسه.
ف ﴿ يُضَـاعِفْهُ ﴾ مكي ف ﴿ يُضَـاعِفْهُ ﴾ شامي ﴿ فَيُضَـاعِفَهُ ﴾ : عاصم وسهل ﴿ فَيُضَـاعِفَهُ ﴾ غيرهم.
فالنصب على جواب الاستفهام، والرفع على فهو يضاعفه أو عطف على ﴿ يُقْرِضُ ﴾ ﴿ يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَـاتِ ﴾ [الحديد : ١٢] ظرف لقوله ﴿ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ ﴾ [الحديد : ١١] أو منصوب بإضمار " اذكر " تعظيماً لذلك اليوم ﴿ يَسْعَى ﴾ يمضي ﴿ نُورُهُم ﴾ نور التوحيد والطاعات.
وإنما قال ﴿ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَـانِهِم ﴾ [الحديد : ١٢] لأن السعداء يؤتون صحائف أعمالهم من هاتين
٣٣١
الجهتين كما أن الأشقياء يؤتونها من شمائلهم ووراء ظهورهم، فيجعل النور في الجهتين شعاراً لهم وآية لأنهم هم الذين بحسناتهم سعدوا وبصحائفهم البيض أفلحوا، فإذا ذهب بهم إلى الجنة ومروا على الصراط يسعون سعي بسعيهم ذلك النور وتقول لهم الملائكة ﴿ بُشْرَاـاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّـاتٌ ﴾ [الحديد : ١٢] أي دخول جنات لأن البشارة تقع بالأحداث دون الجثث ﴿ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانْهَـارُ خَـالِدِينَ فِيهَا ذَالِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [الحديد : ١٢].
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٢٨
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٣٢


الصفحة التالية
Icon