﴿ يَوْمَ يَقُولُ ﴾ [الحديد : ١٣] هو بدل من ﴿ يَوْمَ تَرَى ﴾ [الحديد : ١٢] ﴿ الْمُنَـافِقُونَ وَالْمُنَـافِقَـاتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا انظُرُونَا ﴾ [الحديد : ١٣] أي انتظرونا لأنه يسرع بهم إلى الجنة كالبروق الخاطفة.
﴿ انظُرُونَا ﴾ حمزة من النظرة وهي الإمهال جعل اتئادهم في المضي إلى أن يلحقوا بهم إنظاراً لهم ﴿ نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ ﴾ [الحديد : ١٣] نصب منه وذلك أن يلحقوا بهم فيستنيروا به ﴿ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَآءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا ﴾ [الحديد : ١٣] طرد لهم وتهكم بهم أي تقول لهم الملائكة، أو المؤمنون ارجعوا إلى الموقف إلى حيث أعطينا هذا النور فالتمسوه هنالك فمن ثم يقتبس، أو ارجعوا إلى الدنيا فالتمسوا نوراً بتحصيل سببه وهو الإيمان ﴿ فَضُرِبَ بَيْنَهُم ﴾ [الحديد : ١٣] بين المؤمنين والمنافقين ﴿ بِسُورٍ ﴾ بحائط حائل بين شق الجنة وشق النار.
قيل : هو الأعراف ﴿ لَّهُ ﴾ لذلك السور ﴿ بَابُ ﴾ لأهل الجنة يدخلون منه ﴿ بَاطِنُهُ ﴾ باطن السور أو الباب وهو الشق الذي يلي الجنة ﴿ فِيهِ الرَّحْمَةُ ﴾ [الحديد : ١٣] أي النور أو الجنة ﴿ وَظَـاهِرُهُ ﴾ ما ظهر لأهل النار ﴿ مِن قِبَلِهِ ﴾ [الإسراء : ١٠٧] من عنده ومن جهته ﴿ الْعَذَابُ ﴾ أي الظلمة أو النار أي ينادي المنافقون المؤمنين ﴿ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ ﴾ [الحديد : ١٤] يريدون مرافقتهم في الظاهر ﴿ قَالُوا ﴾ أي المؤمنون ﴿ بَلَى وَلَـاكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ ﴾ [الحديد : ١٤] محنتموها بالنفاق وأهلكتموها ﴿ وَتَرَبَّصْتُمْ ﴾ بالمؤمنين الدوائر ﴿ وَارْتَبْتُمْ ﴾ وشككتم في التوحيد ﴿ وَغرَّتْكُمُ الامَانِىُّ ﴾ [الحديد : ١٤] طول الآمال والطمع في امتداد الأعمار ﴿ حَتَّى جَآءَ أَمْرُ اللَّهِ ﴾ [الحديد : ١٤] أي الموت ﴿ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ [الحديد : ١٤] وغركم الشيطان بأن الله عفو كريم لا يعذبكم أو بأنه لا بعث ولا حساب.
٣٣٢
﴿ فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ ﴾ [الحديد : ١٥] وبالتاء : شامي ﴿ مِنكُمْ ﴾ أيها المنافقون ﴿ فِدْيَةٌ ﴾ ما يفتدى به ﴿ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاـاكُمُ النَّارُ ﴾ [الحديد : ١٥] مرجعكم ﴿ هِىَ مَوْلَـاـاكُمْ ﴾ [الحديد : ١٥] هي أولى بكم وحقيقة مولاكم محراكم أي مكانكم الذي يقال فيه هو أولى بكم كما يقال : هو مئنة للكرم أي مكان لقول القائل إنه لكريم ﴿ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ [البقرة : ١٢٦] النار.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٣٢
﴿ أَلَمْ يَأْنِ ﴾ [الحديد : ١٦] من أنى الأمر يأنى إذا جاء إناه أي وقته.
قيل : كانوا مجدبين بمكة فلما هاجروا أصابوا الرزق والنعمة ففتروا عما كانوا عليه فنزلت.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه : ما كان بين إسلامنا وبين أن عوتبنا بهذه الآية إلا أربع سنين.
وعن ابن أبي بكر رضي الله عنه : إن هذه الآية قرئت بين يديه وعنده قوم من أهل اليمامة فبكوا بكاء شديداً فنظر إليهم فقال : هكذا كنا حتى قست القلوب ﴿ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ ﴾ [الحديد : ١٦] بالتخفيف : نافع وحفص.
الباقون ﴿ نَزَلَ ﴾ و " ما " بمعنى " الذي "، والمراد بالذكر وما نزل من الحق القرآن لأنه جامع للأمرين للذكر والموعظة وأنه حق نازل من السماء ﴿ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَـابَ مِن قَبْلُ ﴾ [الحديد : ١٦] القراءة بالياء عطف على ﴿ تَخْشَعَ ﴾ وبالتاء : ورش على الالتفاف، ويجوز أن يكون نهياً لهم عن مماثلة أهل الكتاب في قسوة القلوب بعد أن وبخوا، وذلك أن بني إسرائيل كان الحق يحول بينهم وبين شهواتهم وإذا سمعوا التوراة والإنجيل خشعوا لله ورقت قلوبهم، فلما طال عليهم الزمان غلبهم الجفاء والقسوة واختلفوا وأحدثوا ما أحدثوا من التحريف وغيره ﴿ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الامَدُ ﴾ [الحديد : ١٦] الأجل أو الزمان ﴿ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ [الحديد : ١٦] باتباع الشهوات ﴿ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَـاسِقُونَ ﴾ [الحديد : ١٦] خارجون عن دينهم رافضون لما في الكتابين أي وقليل منهم مؤمنون ﴿ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْىِ الارْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الايَـاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ قيل : هذا تمثيل لأثر الذكر في القلوب وأنه يحييها كما يحيي الغيث الأرض.
٣٣٣