﴿ إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَـاتِ ﴾ [الحديد : ١٨] بتشديد الدال وحده : مكي وأبو بكر وهو اسم فاعل من " صدق " وهم الذين صدقوا الله ورسوله يعني المؤمنين.
الباقون بتشديد الصاد والدال وهو اسم فاعل من " تصدق " فأدغمت التاء في الصاد وقرىء على الأصل ﴿ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ﴾ [
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٣٢
المزمل : ٢٠] هو عطف على معنى الفعل في ﴿ الْمُصَّدِّقِينَ ﴾ لأن اللام بمعنى " الذين " واسم الفاعل بمعنى الفعل وهو اصدقوا كأنه قيل : إن الذين اصدقوا وأقرضوا والقرض الحسن أن يتصدق من الطيب عن طيبة النفس وصحة النية على المستحق للصدقة ﴿ يُضَـاعَفُ لَهُمْ ﴾ [هود : ٢٠] ﴿ يُضَـاعَفُ ﴾ مكي وشامي ﴿ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ ﴾ [الحديد : ١٨] أي الجنة ﴿ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أؤلئك هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمْ ﴾ [الحديد : ١٩] يريد أن المؤمنين بالله ورسله هم عند الله بمنزلة الصديقين والشهداء وهم الذين سبقوا إلى التصديق واستشهدوا في سبيل الله ﴿ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ﴾ [الحديد : ١٩] أي مثل أجر الصديقين والشهداء ومثل نورهم، ويجوز أن يكون ﴿ وَالشُّهَدَآءُ ﴾ مبتدأ و ﴿ لَهُمْ أَجْرُهُمْ ﴾ [آل عمران : ١٩٩] خبره ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِـاَايَـاتِنَآ أؤلئك أَصْحَـابُ الْجَحِيمِ ﴾ [المائدة : ١٠].
﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَواةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ ﴾ [الحديد : ٢٠] كلعب الصبيان ﴿ وَلَهْوٌ ﴾ كلهو الفتيان ﴿ وَزِينَةٌ ﴾ كزينة النسوان ﴿ وَتَفَاخُرُ بَيْنَكُمْ ﴾ [الحديد : ٢٠] كتفاخر الأقران ﴿ وَتَكَاثُرٌ ﴾ كتكاثر الدهقان ﴿ فِى الامْوَالِ وَالاوْلْـادِ ﴾ [الحديد : ٢٠] أي مباهاة بهما والتكاثر ادعاء الاستكثار ﴿ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاـاهُ مُصْفَرًّا ﴾ [الحديد : ٢٠] بعد خضرته ﴿ ثُمَّ يَكُونُ حُطَـامًا ﴾ [الحديد : ٢٠] متفتتاً، شبه حال الدنيا وسرعة تقضيها مع قلة جدواها بنبات أنبته الغيث فاستوى وقوي وأعجب به الكفار الجاحدون لنعمة الله فيما رزقهم من الغيث والنبات، فبعث عليه
٣٣٤
العاهة فهاج واصفر وصار حطاماً عقوبة لهم على جحودهم كما فعل بأصحاب الجنة وصاحب الجنتين.
وقيل : الكفار الزراع ﴿ وَفِى الاخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ ﴾ [الحديد : ٢٠] للكفار ﴿ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ﴾ [الحديد : ٢٠] للمؤمنين يعني أن الدنيا وما فيها ليست إلا من محقرات الأمور وهي اللعب واللهو والزينة والتفاخر والتكاثر، وأما الآخرة فما هي إلا أمور عظام وهي العذاب الشديد والمغفرة والرضوان من الله الحميد.
والكاف في ﴿ كَمَثَلِ غَيْثٍ ﴾ [الحديد : ٢٠] في محل رفع على أنه خبر بعد خبر أي الحياة الدنيا مثل غيث ﴿ وَمَا الْحَيَواةُ الدُّنْيَآ إِلا مَتَـاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آل عمران : ١٨٥] لمن ركن إليها واعتمد عليها.
قال ذو النون : يا معشر المريدين لا تطلبوا الدنيا وإن طلبتموها فلا تحبوها فإن الزاد منها والمقيل في غيرها.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٣٢
ولما حقر الدنيا وصغر أمرها وعظم أمر الآخرة بعث عباده على المسارعة إلى نيل ما وعد من ذلك وهي المغفرة المنجية من العذاب الشديد والفوز بدخول الجنة بقوله ﴿ سَابِقُوا ﴾ أي بالأعمال الصالحة ﴿ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ﴾ [آل عمران : ١٣٣] وقيل : سارعوا مسارعة السابقين لأقرانهم في المضمار ﴿ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَآءِ وَالارْضِ ﴾ [الحديد : ٢١] قال السدي : كعرض سبع السماوات وسبع الأرضين.
وذكر العرض دون الطول لأن كل ماله عرض وطول فإن عرضه أقل من طوله، فإذا وصف عرضه بالبسطة عرف أن طوله أبسط، أو أريد بالعرض البسطة وهذا ينفي قول من يقول : إن الجنة في السماء الرابعة، لأن التي في إحدى السماوات لا تكون في عرض السماوات والأرض ﴿ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ﴾ [الحديد : ٢١] وهذا دليل على أنها مخلوقة ﴿ ذَالِكَ ﴾ الموعود من المغفرة والجنة ﴿ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ ﴾ [المائدة : ٥٤] وهم المؤمنون، وفيه دليل على أنه لا يدخل أحد الجنة إلا بفضل الله ﴿ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [البقرة : ١٠٥].


الصفحة التالية
Icon