ثم بين أن كل كائن بقضاء الله وقدره بقوله ﴿ مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِى الارْضِ ﴾ [الحديد : ٢٢] من الجدب وآفات الزروع والثمار.
وقوله ﴿ فِى الارْضِ ﴾ [السجدة : ١٠] في موضع الجر أي ما أصاب من مصيبة ثابتة في الأرض
٣٣٥
﴿ وَلا فِى أَنفُسِكُمْ ﴾ [الحديد : ٢٢] من الأمراض والأوصاب وموت الأولاد ﴿ إِلا فِى كِتَـابٍ ﴾ [فاطر : ١١] في اللوح وهو في موضع الحال أي إلا مكتوباً في اللوح ﴿ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ ﴾ [الحديد : ٢٢] من قبل أن نخلق الأنفس ﴿ إِنَّ ذَالِكَ ﴾ [الحج : ٧٠] إن تقدير ذلك وإثباته في كتاب ﴿ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [الحج : ٧٠] وإن كان عسيراً على العباد.
ثم علل ذلك وبين الحكمة فيه بقوله :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٣٢
﴿ لِّكَيْلا تَأْسَوْا ﴾ [الحديد : ٢٣] تحزنوا حزناً يطغيكم ﴿ عَلَى مَا فَاتَكُمْ ﴾ [الحديد : ٢٣] من الدنيا وسعتها أو من العافية وصحتها ﴿ وَلا تَفْرَحُوا ﴾ [الحديد : ٢٣] فرح المختال الفخور ﴿ بِمَآ ءَاتَـاـاكُمْ ﴾ [الحديد : ٢٣] أعطاكم من الإيتاء.
أبو عمرو وأتاكم أي جاءكم من الإتيان يعني أنكم إذا علمتم أن كل شيء مقدر مكتوب عند الله، قل أساكم على الفائت وفرحكم على الآتي، لأن من علم أن ما عنده مفقود لا محالة لم يتفاقم جزعه عند فقده لأنه وطن نفسه على ذلك، وكذلك من علم أن بعض الخير واصل إليه وأن وصوله لا يفوته بحال لم يعظم فرحه عند نيله، وليس أحد إلا وهو يفرح عند منفعة تصيبه ويحزن عند مضرة تنزل به ولكن ينبغي أن يكون الفرح شكراً والحزن صبراً، وإنما يذم من الحزن الجزع المنافي للصبر ومن الفرح الأشر المطغي الملهي عن الشكر ﴿ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [الحديد : ٢٣] لأن من فرح بحظ من الدنيا وعظم في نفسه اختال وافتخر به وتكبر على الناس ﴿ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ ﴾ [آل عمران : ١٨٠] خبر مبتدأ محذوف أو بدل من كل مختال فخور كأنه قال : لا يحب الذين يبخلون، يريد الذين يفرحون الفرح المطغي إذا رزقوا مالاً وحظاً من الدنيا، فلحبهم له وعزته عندهم يزوونه عن حقوق الله ويبخلون به ﴿ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ ﴾ [الحديد : ٢٤] ويحضون غيرهم على البخل ويرغبونهم في الإمساك ﴿ وَمَن يَتَوَلَّ ﴾ [المائدة : ٥٦] يعرض عن الإنفاق أو عن أوامر الله ونواهيه ولم ينته عما نهى عنه من الأسى على الفائت والفرح بالآتي ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِىُّ ﴾ [الحديد : ٢٤] عن جميع المخلوقات فكيف عنه؟ ﴿ الْحَمِيدُ ﴾ في أفعاله.
﴿ اللَّهَ هُوَ الْغَنِىُّ ﴾ بترك " هو " : مدني وشامي.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٣٢
﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا ﴾ [الحديد : ٢٥] يعني أرسلنا الملائكة إلى الأنبياء ﴿ بِالْبَيِّنَـاتِ ﴾
٣٣٦
بالحجج والمعجزات ﴿ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَـابَ ﴾ [الحديد : ٢٥] أي الوحي.
وقيل : الرسل الأنبياء.
والأول أولى لقوله ﴿ مَعَهُمُ ﴾ لأن الأنبياء ينزل عليهم الكتاب ﴿ وَالْمِيزَانَ ﴾ روي أن جبريل نزل بالميزان فدفعه إلى نوح وقال : مر قومك يزنوا به ﴿ لِيَقُومَ النَّاسُ ﴾ [الحديد : ٢٥] ليتعاملوا بينهم إيفاء واستيفاء ﴿ بِالْقِسْطِ ﴾ بالعدل ولا يظلم أحد أحداً ﴿ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ ﴾ [الحديد : ٢٥] قيل : نزل آدم من الجنة ومعه خمسة أشياء من حديد : السندان والكلبتان والميقعة والمطرقة والإبرة.
وروي ومعه المرّ والمسحاة.
وعن الحسن : وأنزلنا الحديد خلقناه
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٣٦