﴿ وَالَّذِينَ يُظَـاهِرُونَ مِن نِّسَآ ـاِهِمْ ﴾ [المجادلة : ٣] بين في الآية الأولى أن ذلك من قائله منكر وزور، وبين في الثانية حكم الظهار ﴿ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا ﴾ [المجادلة : ٣] العود الصيرورة ابتداء أو بناء فمن الأول قوله تعالى :﴿ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ﴾ [يس : ٣٩] (يس : ٩٣).
ومن الثاني :﴿ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا ﴾ [الإسراء : ٨] (الإسراء : ٨) ويعدى بنفسه كقولك : عدته إذا أتيته وصرت إليه، وبحرف الجر بـ " إلى " وعلى وفي واللام كقوله ﴿ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ ﴾ [الأنعام : ٢٨] (الأنعام : ٨٢) ومنه ﴿ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا ﴾ [المجادلة : ٣] أي يعودون لنقض ما قالوا أو لتداركه على حذف المضاف، وعن ثعلبة : يعودون لتحليل ما حرموا على حذف المضاف أيضاً غير أنه أراد بما قالوا ما حرموه على أنفسهم بلفظ الظهار تنزيلاً للقول منزلة المقول فيه كقوله ﴿ وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ ﴾ [مريم : ٨٠] (مريم : ٠٨) أراد المقول فيه وهو المال والولد.
ثم اختلفوا أن النقض بماذا يحصل؟ فعندنا بالعزم على الوطء وهو قول ابن عباس والحسن وقتادة، وعند الشافعي بمجرد الإمساك وهو أن لا يطلقها عقيب الظهار.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٤٠
﴿ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ﴾ [النساء : ٩٢] فعليه اعتاق رقبة مؤمنة أو كافرة ولم يجز المدبر وأم الولد والمكاتب الذي أدى شيئاً ﴿ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا ﴾ [المجادلة : ٣] الضمير يرجع إلى ما دل عليه الكلام من المظاهر والمظاهر منها.
والمماسة الاستمتاع
٣٤١
بها من جماع أو لمس بشهوة أو نظر إلى فرجها بشهوة ﴿ ذَالِكُمْ ﴾ الحكم ﴿ تُوعَظُونَ بِهِ ﴾ [المجادلة : ٣] لأن الحكم بالكفارة دليل على ارتكاب الجناية فيجب أن تتعظوا بهذا الحكم حتى لا تعودوا إلى الظهار وتخافوا عقاب الله عليه ﴿ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [البقرة : ٢٣٤] والظهار أن يقول الرجل لامرأته : أنت عليّ كظهر أمي.
وإذا وضع موضع أنت عضواً منها يعبر به عن الجملة أو مكان الظهر عضواً آخر يحرم النظر إليه من الأم كالبطن والفخذ، أو مكان الأم ذات رحم محرم منه بنسب أو رضاع أو صهر أو جماع نحو أن يقول : أنت عليّ كظهر أختي من الرضاع، أو عمتي من النسب، أو امرأة ابني، أو أبي أو أم امرأتي أو ابنتها فهو مظاهر، وإذا امتنع المظاهر من الكفارة للمرأة أن ترافعه، وعلى القاضي أن يجبره على أن يكفر وأن يحبسه، ولا شيء من الكفارات يجبر عليه ويحبس إلا كفارة الظهار لأنه يضر بها في ترك التكفير.
والامتناع من الاستمتاع فإن مس قبل أن يكفر استغفر الله ولا يعود حتى يكفر، وإن أعتق بعض الرقبة ثم مس عليه أن يستأنف عند أبي حنيفة رضي الله عنه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٤٠
﴿ فَمَن لَّمْ يَجِدْ ﴾ [البقرة : ١٩٦] الرقبة ﴿ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ ﴾ [النساء : ٩٢] فعليه صيام شهرين ﴿ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ ﴾ [المجادلة : ٤] الصيام ﴿ فَإِطْعَامُ ﴾ فعليه إطعام ﴿ سِتِّينَ مِسْكِينًا ﴾ [المجادلة : ٤] لكل مسكين نصف صاع من بر أو صاع من غيره، ويجب أن يقدمه على المسيس ولكن لا يستأنف إن جامع في خلال الإطعام ﴿ ذَالِكَ ﴾ البيان والتعليم للأحكام ﴿ لِتُؤْمِنُوا ﴾ لتصدقوا ﴿ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [الحجرات : ١٥] في العمل بشرائعه التي شرعها من الظهار وغيره ورفض ما كنتم عليه في جاهليتكم ﴿ وَتِلْكَ ﴾ أي الأحكام التي وصفنا في الظهار والكفارة ﴿ حُدُودُ اللَّهِ ﴾ [البقرة : ٢٢٩] التي لا يجوز تعديها ﴿ وَلِلْكَـافِرِينَ ﴾ الذين لا يتبعونها ﴿ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [البقرة : ١٠٤] مؤلم ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحَآدُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾ [المجادلة : ٥] يعادون ويشاقون ﴿ كُبِتُوا ﴾ أخزوا وأهلكوا ﴿ كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾ [المجادلة : ٥] من أعداء الرسل ﴿ وَقَدْ أَنزَلْنَآ ءَايَـات بَيِّنَـاتٍ ﴾ [المجادلة : ٥] تدل على صدق الرسول وصحة ما جاء به ﴿ وَلِلْكَـافِرِينَ ﴾ بهذه الآيات ﴿ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴾ [البقرة : ٩٠] يذهب بعزهم وكبرهم
٣٤٢