﴿ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ ﴾ [المجادلة : ١٨] منصوب بـ ﴿ مُّهِينٌ ﴾ أو بإضمار " اذكر " تعظيماً لليوم ﴿ اللَّهُ جَمِيعًا ﴾ [البقرة : ١٤٨] كلهم لا يترك منهم أحداً غير مبعوث أو مجتمعين في حال واحدة ﴿ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا ﴾ [المجادلة : ٦] تخجيلاً لهم وتوبيخاً وتشهيراً بحالهم يتمنون عنده المسارعة بهم إلى النار لما يلحقهم من الخزي على رؤوس الأشهاد ﴿ أَحْصَـاـاهُ اللَّهُ ﴾ [المجادلة : ٦] أحاط به عدداً لم يفته منه شيء ﴿ وَنَسُوهُ ﴾ لأنهم تهاونوا به حين ارتكبوه وإنما تحفظ معظمات الأمور ﴿ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [المجادلة : ٦] لا يغيب عنه شيء.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٤٠
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِى السَّمَـاوَاتِ وَمَا فِى الارْضِ مَا يَكُونُ ﴾ [المجادلة : ٧] من " كان " التامة أي ما يقع ﴿ مِن نَّجْوَى ثَلَـاثَةٍ ﴾ [المجادلة : ٧] النجوى التناجي وقد أضيفت إلى ثلاثة أي من نجوى ثلاثة نفر ﴿ إِلا هُوَ ﴾ [هود : ٥٦] أي الله ﴿ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى ﴾ [المجادلة : ٧] ولا أقل ﴿ مِن ذَالِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ ﴾ [المجادلة : ٧] يعلم ما يتناجون به ولا يخفى عليه ما هم فيه وقد تعالى عن المكان علواً كبيراً وتخصيص الثلاثة والخمسة لأنها نزلت في المنافقين وكانوا يتحلقون للتناجي مغايظة للمؤمنين على هذين العددين.
وقيل : ما يتناجى منهم ثلاثة ولا خمسة ولا أدنى من عدديهم ولا أكثر إلا والله معهم يسمع ما يقولون، ولأن أهل التناجي في العادة طائفة من أهل الرأي والتجارب، وأول عددهم الاثنان فصاعداً إلى خمسة إلى ستة إلى ما اقتضته الحال، فذكر عز وعلا الثلاثة والخمسة وقال :﴿ وَلا أَدْنَى مِن ذَالِكَ ﴾ [المجادلة : ٧] فدل على الاثنين والأربعة، وقال ﴿ وَلا أَكْثَرَ ﴾ [المجادلة : ٧] فدل على ما يقارب هذا العدد ﴿ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَـامَةِ ﴾ [المجادلة : ٧] فيجازيهم عليه ﴿ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة : ٢٣١].
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٤٠
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٤٣
﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَـاجَوْنَ بِالاثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ ﴾ [المجادلة : ٨] كانت اليهود والمنافقون يتناجون فيما بينهم ويتغامزون بأعينهم إذا رأوا المؤمنين ويريدون أن يغيظوهم ويوهموهم في نجواهم وتغامزهم أن غزاتهم غلبوا وأن أقاربهم قتلوا، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم فعادوا لمثل فعلهم وكان
٣٤٣
تناجيهم بما هو إثم وعدوان للمؤمنين وتواص بمعصية الرسول ومخالفته، حمزة وهو بمعنى الأول ﴿ الرَّسُولِ وَإِذَا جَآءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ ﴾ [المجادلة : ٨] يعني أنهم يقولون في تحيتك : السام عليك يا محمد.
والسام الموت والله تعالى يقول ﴿ وَسَلَـامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى ﴾ [النمل : ٥٩] (النمل : ٩٥)، ﴿ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ ﴾ (المائدة : ٧٦)، ﴿ يَـا أَيُّهَا النَّبِىُّ ﴾ الأحزاب : ١) ﴿ وَيَقُولُونَ فِى أَنفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ ﴾ [المجادلة : ٨] أي يقولون فيما بينهم لو كان نبياً لعاقبنا الله بما نقوله فقال الله تعالى ﴿ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ ﴾ [المجادلة : ٨] عذاباً ﴿ يَصْلَوْنَهَا ﴾ حال أي يدخلونها ﴿ فَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ [المجادلة : ٨] المرجع جهنم.