﴿ مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ ﴾ [الحشر : ٥] هو بيان لـ ﴿ مَا قَطَعْتُم ﴾ [الحشر : ٥] ومحل " ما " نصب بـ ﴿ قَطَعْتُم ﴾ كأنه قيل : أي شيء قطعتم وأنث الضمير الراجع إلى ما في قوله ﴿ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا ﴾ [الحشر : ٥] لأنه في معنى اللينة، واللينة : النخلة من الألوان وياؤها عن واو قلبت لكسرة ما قبلها.
وقيل : اللينة النخلة الكريمة كأنهم اشتقوها من اللين ﴿ قَآ ـاِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [الحشر : ٥] فقطعها وتركها بإذن الله ﴿ وَلِيُخْزِىَ الْفَـاسِقِينَ ﴾ [الحشر : ٥] وليذل اليهود ويغيظهم أذن في قطعها ﴿ وَمَآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ ﴾ [الحشر : ٦] جعله فيئاً له خاصة ﴿ مِنْهُمْ ﴾ من بني النضير ﴿ فَمَآ أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ ﴾ [الحشر : ٦] فلم يكن ذلك بإيجاف خيل أو ركاب منكم على ذلك والركاب الإبل، والمعنى فما أوجفتم على تحصيله وتغنيمه خيلاً ولا ركاباً ولا تعبتم في القتال عليه، وإنما مشيتم إليه على أرجلكم لأنه على ميلين من المدينة، وكان صلى الله عليه وسلّم على حمار فحسب ﴿ وَلَـاكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَآءُ ﴾ [الحشر : ٦] يعني
٣٥٢
أن ما خوّل الله رسوله من أموال بني النضير شيء لم تحصلوه بالقتال والغلبة، ولكن سلطه الله عليهم وعلى ما في أيديهم كما كان يسلط رسله على أعدائهم، فالأمر فيه مفوض إليه يضعه حيث يشاء ولا يقسمه قسمة الغنائم التي قوتل عليها وأخذت عنوة وقهراً فقسمها بين المهاجرين ولم يعط الأنصار إلا ثلاثة منهم لفقرهم و ﴿ أَوَ لَمَّآ أَصَـابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـاذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران : ١٦٥-١٦٧] وإنما لم يدخل العاطف على هذه الجملة لأنها بيان للأولى فهي منها غير أجنبية عنها، بين لرسول الله صلى الله عليه وسلّم ما يصنع بما أفاء الله عليه وأمره أن يضعه حيث يضع الخمس من الغنائم مقسوماً على الأقسام الخمسة، وزيف هذا القول بعض المفسرين وقال : الآية الأولى نزلت في أموال بني النضير وقد جعلها الله لرسوله خاصة، وهذه الآية في غنائم كل قرية تؤخذ بقوة الغزاة، وفي الآية بيان مصرف خمسها فهي مبتدأة
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٥٠
﴿ كَىْ لا يَكُونَ دُولَةَ ﴾ [الحشر : ٧] ﴿ يَكُونَ دُولَةَ ﴾ يزيد على " كان " التامة والدولة والدولة ما يدول للإنسان أي يدور من الجد.
ومعنى قوله ﴿ لا يَكُونَ دُولَةَ ﴾ ﴿ بَيْنَ الاغْنِيَآءِ مِنكُمْ ﴾ [الحشر : ٧] كيلا يكون الفيء الذي حقه أن يعطي الفقراء ليكون لهم بلغة يعيشون بها جداً بين الأغنياء يتكاثرون به ﴿ وَمَآ ءَاتَـاـاكُمُ الرَّسُولُ ﴾ [الحشر : ٧] أي أعطاكم من قسمة غنيمة أو فيء ﴿ فَخُذُوهُ ﴾ فاقبلوه ﴿ وَمَا نَهَـاـاكُمْ عَنْهُ ﴾ [الحشر : ٧] عن أخذه منها ﴿ فَانتَهُوا ﴾ عنه ولا تطلبوه ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [المائدة : ٨٨] أن تخالفوه وتتهاونوا بأوامره ونواهيه ﴿ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [البقرة : ١٩٦] لمن خالف رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
والأجود أن يكون عاماً في كل ما آتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم ونهى عنه وأمر الفيء داخل في عمومه.
﴿ لِلْفُقَرَآءِ ﴾ بدل من قوله ﴿ وَلِذِى الْقُرْبَى ﴾ [الانفال : ٤١] والمعطوف عليه، والذي منه الإبدال من ﴿ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ ﴾ [الانفال : ٢٤] وإن كان المعنى لرسول الله إن الله عز وجل أخرج رسوله من
٣٥٣


الصفحة التالية
Icon