الفقراء في قوله ﴿ وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُا ﴾ [الحشر : ٨] وأنه يترفع برسول الله عن التسمية بالفقير، وأن الإبدال على ظاهر اللفظ من خلاف الواجب في تعظيم الله عز وجل ﴿ الْمُهَـاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَـارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ﴾ [الحشر : ٨] بمكة، وفيه دليل على أن الكفار يملكون بالاستيلاء أموال المسلمين لأن الله تعالى سمى المهاجرين فقراء مع أنه كانت لهم ديار وأموال ﴿ يَبْتَغُونَ ﴾ حال ﴿ فَضْلا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ﴾ [الفتح : ٢٩] أي يطلبون الجنة ورضوان الله وينصرون الله ورسوله } أي ينصرون دين الله ويعينون رسوله ﴿ أؤلئك هُمُ الصَّـادِقُونَ ﴾ [الحجرات : ١٥] في إيمانهم وجهادهم ﴿ وَالَّذِينَ ﴾ معطوف على المهاجرين وهم الأنصار ﴿ تَبَوَّءُو الدَّارَ ﴾ [الحشر : ٩] توطنوا المدينة ﴿ وَالايمَـانَ ﴾ وأخلصوا الإيمان كقوله :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٥٠
علفتها تبناً وماء بارداً
أو وجعلوا الإيمان مستقراً ومتوطناً لهم لتمكنهم واستقامتهم عليه كما جعلوا المدينة كذلك، أو أراد دار الهجرة ودار الإيمان فأقام لام التعريف في الدار مقام المضاف إليه وحذف المضاف من دار الإيمان ووضع المضاف إليه مقامه.
﴿ مِن قَبْلِهِمْ ﴾ [الدخان : ٣٧] من قبل المهاجرين لأنهم سبقوهم في تبوء دار الهجرة والإيمان.
وقيل : من قبل هجرتهم ﴿ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ ﴾ [الحشر : ٩] حتى شاطروهم أموالهم وأنزلوهم منازلهم، ونزل من كانت له امرأتان عن إحدايهما حتى تزوج بها رجل من المهاجرين.
﴿ وَلا يَجِدُونَ فِى صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُوا ﴾ [الحشر : ٩] ولا يعلمون في أنفسهم طلب محتاج إليه مما أوتي المهاجرون من الفيء وغيره والمحتاج إليه يسمي حاجة يعني أن نفوسهم لم تتبع ما أعطوا ولم تطمح إلى شيء منه تحتاج إليه.
وقيل : حاجة حسداً مما أعطي المهاجرون من الفيء حيث خصهم النبي صلى الله عليه وسلّم به.
وقيل : لا يجدون في صدورهم مس حاجة من فقد ما أوتوا فحذف المضافان ﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ﴾ [الحشر : ٩] فقر وأصلها خصاص البيت وهي فروجه، والجملة في موضع الحال أي مفروضة خصاصتهم.
روي أنه
٣٥٤
نزل برجل منهم ضيف فنوّم الصبية وقرّب الطعام وأطفأ المصباح ليشبع ضيفه ولا يأكل هو.
وعن أنس : أهدى لبعضهم رأس مشوي وهو مجهود فوجهه إلى جاره فتداولته تسعة أنفس حتى عاد إلى الأول.
أبو زيد قال لي شاب من أهل بلخ : ما الزهد عندكم؟ قلت : إذا وجدنا أكلنا وإذا فقدنا صبرنا.
فقال : هكذا عندنا كلاب بلخ بل إذا فقدنا صبرنا وإذا وجدنا آثرنا ﴿ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوالَـائكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر : ٩] الظافرون بما أرادوا.
الشح اللؤم وأن تكون نفس الرجل كزة حريصة على المنع، وأما البخل فهو المنع نفسه.
وقيل : الشح أكل مال أخيك ظلماً، والبخل منع مالك.
وعن كسرى : الشح أضر من الفقر لأن الفقير يتسع إذا وجد بخلاف الشحيح.
﴿ وَالَّذِينَ جَآءُو مِن بَعْدِهِمْ ﴾ [الحشر : ١٠] عطف أيضاً على ﴿ الْمُهَـاجِرِينَ ﴾ وهم الذين هاجروا من بعده.
وقيل : التابعون بإحسان.
وقيل : من بعدهم إلى يوم القيامة.
قال عمر رضي الله عنه : دخل في هذا الفيء كل من هو مولود إلى يوم القيامة في الإسلام، فجعل الواو للعطف فيهما.
وقرىء ﴿ لِّلَّذِينَ ﴾ فيهما ﴿ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلاخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالايمَـانِ ﴾ [الحشر : ١٠] قيل : هم المهاجرون والأنصار.
عن عائشة رضي الله عنها : أمروا بأن يستغفروا لهم فسبوهم ﴿ وَلا تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلا ﴾ [الحشر : ١٠] حقداً ﴿ لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا ﴾ [العنكبوت : ١٢] يعني الصحابة ﴿ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾ [الحشر : ١٠] وقيل لسعيد بن المسيب : ما تقول في عثمان وطلحة والزبير؟ قال : أقول ما قولنيه الله وتلى هذه الآية.
ثم عجب نبيه بقوله :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٥٠
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٥٥


الصفحة التالية
Icon