﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا ﴾ [الحشر : ١١] أي ألم تر يا محمد إلى عبد الله بن أبيّ وأشياعه ﴿ يَقُولُونَ لاخْواَنِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَـابِ ﴾ [الحشر : ١١] يعني بني النضير والمراد إخوة الكفر ﴿ لَـاـاِنْ أُخْرِجْتُمْ ﴾ [الحشر : ١١] من دياركم ﴿ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ ﴾ [الحشر : ١١] روي أن ابن أبيّ وأصحابه دسوا إلى بني النضير حين حاصرهم النبي صلى الله عليه وسلّم : لا تخرجوا من الحصن فإن قاتلوكم فنحن معكم لا نخذلكم ولئن أخرجتم لنخرجن معكم ﴿ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ ﴾ [الحشر : ١١] في قتالكم ﴿ أَحَدًا أَبَدًا ﴾ [الحشر : ١١] من رسول الله والمسلمين إن حملنا عليه أو في خذلانكم وإخلاف ما
٣٥٥
وعدناكم من النصرة ﴿ وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَـاذِبُونَ ﴾ [الحشر : ١١] في مواعيدهم لليهود، وفيه دليل على صحة النبوة لأنه إخبار بالغيب.
﴿ لَـاـاِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَـاـاِن قُوتِلُوا لا يَنصُرُونَهُمْ وَلَـاـاِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الادْبَـارَ ثُمَّ لا يُنصَرُونَ ﴾ [الحشر : ١٢] إنما قال ﴿ وَلَـاـاِن نَّصَرُوهُمْ ﴾ [الحشر : ١٢] بعد الإخبار بأنهم لا ينصرونهم على الفرض والتقدير كقوله ﴿ لَـاـاِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ﴾ [الزمر : ٦٥] (الزمر : ٥٦) وكما يعلم ما يكون فهو يعلم ما لا يكون لو كان كيف يكون.
والمعنى ولئن نصر المنافقون اليهود لينهزمن المنافقون ثم لا ينصرون بعد ذلك أي يهلكهم الله ولا ينفعهم نفاقهم لظهور كفرهم، أو لينهزمن اليهود ثم لا ينفعهم نصرة المنافقين ﴿ لانتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً ﴾ [الحشر : ١٣] أي أشد مرهوبية.
مصدر رهب المبني للمفعول.
وقوله ﴿ فِى صُدُورِهِمْ ﴾ [غافر : ٥٦] دلالة على نفاقهم يعني أنهم يظهرون لكم في العلانية خوف الله وأنتم أهيب في صدورهم ﴿ مِّنَ اللَّهِ ذَالِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ ﴾ [الحشر : ١٣] لا يعلمون الله وعظمته حتى يخشوه حق خشيته
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٥٥
﴿ لا يُقَـاتِلُونَكُمْ ﴾ [الحشر : ١٤] لا يقدرون على مقاتلتكم ﴿ جَمِيعًا ﴾ مجتمعين يعني اليهود والمنافقين ﴿ إِلا ﴾ كائنين ﴿ فِى قُرًى مُّحَصَّنَةٍ ﴾ [الحشر : ١٤] بالخنادق والدروب ﴿ أَوْ مِن وَرَآءِ جُدُر ﴾ [الحشر : ١٤] مكي وأبو عمرو ﴿ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ﴾ [الحشر : ١٤] يعني أن البأس الشديد الذي يوصفون به إنما هو بينهم إذا اقتتلوا ولو قاتلوكم لم يبق لهم ذلك البأس والشدة لأن الشجاع يجبن عند محاربة الله ورسوله ﴿ تَحْسَبُهُمْ ﴾ أي اليهود والمنافقين ﴿ جَمِيعًا ﴾ مجتمعين ذوي ألفة واتحاد ﴿ وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ﴾ [الحشر : ١٤] متفرقة لا ألفة بينها يعني أن بينهم إحناً وعداوات فلا يتعاضدون حق التعاضد، وهذا تحسير للمؤمنين وتشجيع لقلوبهم على قتالهم ﴿ ذَالِكَ ﴾ التفرق ﴿ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ ﴾ [المائدة : ٥٨] أن تشتت القلوب مما يوهن قواهم ويعين على أرواحهم.
٣٥٦
﴿ كَمَثَلِ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾ [الحشر : ١٥] أي مثلهم كمثل أهل بدر فحذف المبتدأ ﴿ قَرِيبًا ﴾ أي استقروا من قبلهم زمناً قريباً ﴿ ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ ﴾ [الحشر : ١٥] سوء عاقبة كفرهم وعداوتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلّم من قولهم كلأ وبيل وخيم سيء العاقبة يعني ذاقوا عذاب القتل في الدنيا ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [البقرة : ١٧٤] أي ولهم مع ذلك في الآخرة عذاب النار ﴿ كَمَثَلِ الشَّيْطَـانِ إِذْ قَالَ لِلانسَـانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّى بَرِى ءٌ مِّنكَ إِنِّى أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَـالَمِينَ ﴾ [الحشر : ١٦] أي مثل المنافقين في إغرائهم اليهود على القتال ووعدهم إياهم النصر، ثم متاركتهم لهم وإخلافهم كمثل الشيطان إذا استغوى الإنسان بكيده ثم تبرأ منه في العاقبة.
وقيل : المراد استغواؤه قريشاً يوم بدر وقوله لهم ﴿ لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ ﴾ [
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٥٥


الصفحة التالية
Icon