﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ ﴾ [الممتحنة : ١] عدي " اتخذ " إلى مفعوليه وهما ﴿ عَدُوِّى ﴾ و ﴿ أَوْلِيَآءَ ﴾ والعدوّ فعول من عدا كعفوّ من عفا ولكنه على زنة المصدر، أوقع على الجمع إيقاعه على الواحد، وفيه دليل على أن الكبيرة لا تسلب اسم الإيمان ﴿ تُلْقُونَ ﴾ حال من الضمير في ﴿ لا تَتَّخِذُوا ﴾ [التوبة : ٢٣] والتقدير لا تتخذوهم أولياء ملقين ﴿ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ ﴾ [الممتحنة : ١] أو مستأنف بعد وقف على التوبيخ.
والإلقاء عبارة عن إيصال المودة والإفضاء بها إليهم.
والباء في ﴿ بِالْمَوَدَّةِ ﴾ زائدة مؤكدة للتعدي كقوله :﴿ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ [البقرة : ١٩٥] (البقرة : ٥٩١) أو ثابتة على أن مفعول ﴿ تُلْقُونَ ﴾ محذوف معناه تلقون إليهم أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلّم بسبب المودة التي بينكم وبينهم ﴿ وَقَدْ كَفَرُوا ﴾ [الممتحنة : ١] حال من ﴿ لا تَتَّخِذُوا ﴾ [التوبة : ٢٣] أو من ﴿ تُلْقُونَ ﴾ أي لا تتولوهم أو توادونهم وهذه حالهم ﴿ بِمَا جَآءَكُم مِّنَ الْحَقِّ ﴾ [الممتحنة : ١] دين الإسلام والقرآن ﴿ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ ﴾ [الممتحنة : ١] استئناف كالتفسير لكفرهم وعتوهم أو حال من ﴿ كَفَرُوا ﴾ ﴿ أَن تُؤْمِنُوا ﴾ [الممتحنة : ١] تعليل لـ ﴿ يُخْرِجُونَ ﴾ أي يخرجونكم من مكة لإيمانكم ﴿ بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ ﴾ [الممتحنة : ١] متعلق ب ﴿ لا تَتَّخِذُوا ﴾ [التوبة : ٢٣] أي لا تتولوا أعدائي إن كنتم أوليائي.
وقول النحويين في مثله هو شرط جوابه محذوف لدلالة ما قبله عليه ﴿ جِهَادًا فِى سَبِيلِى ﴾ [الممتحنة : ١] مصدر في موضع الحال أي إن كنتم خرجتم مجاهدين في سبيلي ﴿ وَابْتِغَآءَ مَرْضَاتِى ﴾ [الممتحنة : ١] ومبتغين مرضاتي ﴿ تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ ﴾ [الممتحنة : ١] أي تفضون إليهم بمودتكم سراً أو تسرون
٣٦١
إليهم أسرار رسول الله صلى الله عليه وسلّم بسبب المودة وهو استئناف ﴿ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْ ﴾ [الممتحنة : ١] والمعنى أي طائل لكم في أسراركم وقد علمتم أن الإخفاء والإعلان سيان في علمي وأنا مطلع رسولي على ما تسرون ﴿ وَمَن يَفْعَلْهُ ﴾ [الممتحنة : ١] أي هذا الإسرار ﴿ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ السَّبِيلِ ﴾ [المائدة : ١٢] فقد أخطأ طريق الحق والصواب.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٦٠
﴿ إِن يَثْقَفُوكُمْ ﴾ [الممتحنة : ٢] إن يظفروا بكم ويتمكنوا منكم ﴿ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَآءً ﴾ [الممتحنة : ٢] خالصي العداوة ولا يكونوا لكم أولياء كما أنتم ﴿ وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّواءِ ﴾ [الممتحنة : ٢] بالقتل والشتم ﴿ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ ﴾ [الممتحنة : ٢] وتمنوا لو ترتدون عن دينكم فإذاً موادة أمثالهم خطأ عظيم منكم.
والماضي وإن كان يجري في باب الشرط مجرى المضارع ففيه نكتة كأنه قيل : ودّوا قبل كل شيء كفركم وارتدادكم يعني أنهم يريدون أن يلحقوا بكم مضار الدنيا والدين من قتل الأنفس وتمزيق الأعراض وردكم كفاراً أسبق المضار عندهم وأولها لعلمهم أن الدين أعز عليكم من أرواحكم، لأنكم بذالون لها دونه، والعدو أهم شيء عنده أن يقصد أهم شيء عند صاحبه.
﴿ لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ ﴾ [الممتحنة : ٣] قراباتكم ﴿ وَلا أَوْلَـادُكُمْ ﴾ [سبأ : ٣٧] الذين توالون الكفار من أجلهم وتتقربون إليهم محاماة عليهم ثم قال ﴿ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ ﴾ [الممتحنة : ٣] وبين أقاربكم وأولادكم ﴿ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ﴾ [عبس : ٣٤] (عبس : ٤٣) الآية.
فما لكم ترفضون حق الله مراعاة لحق من يفرّ منكم غداً.
﴿ يَفْصِلُ ﴾ : عاصم.
﴿ يَفْصِلُ ﴾ حمزة وعلي والفاعل هو الله عز وجل ﴿ يَفْصِلُ ﴾ ابن ذكوان غيرهم ﴿ يَفْصِلُ ﴾ ﴿ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة : ٢٦٥] فيجازيكم على أعمالكم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٦٠
﴿ قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ ﴾ [الممتحنة : ٤] قدوة في التبري من الأهل ﴿ حَسَنَةٌ فِى إِبْرَاهِيمَ ﴾ [الممتحنة : ٤] أي في أقواله ولهذا استثنى منها إلا قول إبراهيم ﴿ وَالَّذِينَ مَعَهُ ﴾ [الممتحنة : ٤] من المؤمنين وقيل :
٣٦٢