غلت ناب كليب بواؤها
ومعنى التعجب تعظيم الأمر في قلوب السامعين، لأن التعجب لا يكون إلا من شيء خارج عن نظائره.
وأسند إلى أن تقولوا ونصب مقتاً على التمييز، وفيه دلالة على أن قولهم ما لا يفعلون مقت خالص لا شوب فيه، والمعنى كبر قولكم ما لا تفعلون مقتاً عند الله.
واختير لفظ المقت لأنه أشد البغض.
وعن بعض السلف أنه قيل له : أتأمرونني أن أقول ما لا أفعل فأستعجل مقت الله.
ثم أعلم الله عز وجل ما يحبه فقال ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَـاتِلُونَ فِى سَبِيلِهِ صَفًّا ﴾ [الصف : ٤] أي صافين أنفسهم مصدر وقع موقع الحال ﴿ كَأَنَّهُم بُنْيَـانٌ مَّرْصُوصٌ ﴾ [الصف : ٤] لاصق بعض ببعض.
وقيل : أريد به استواء نياتهم في حرب عدوهم حتى يكونوا في اجتماع الكلمة كالبنيان الذي رص بعضه إلى بعض وهو حال أيضاً ﴿ وَإِذْ ﴾ منصوب بـ " اذكر " ﴿ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَـاقَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِى ﴾ [الصف : ٥] بجحود الآيات والقذف بما ليس فيّ ﴿ وَقَد تَّعْلَمُونَ ﴾ [الصف : ٥] في موضع الحال أي لم تؤذونني عالمين علماً يقيناً ﴿ أَنِّى رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ ﴾ [الأعراف : ١٥٨] وقضية علمكم بذلك توقيري وتعظيمي لا أن تؤذوني ﴿ فَلَمَّا زَاغُوا ﴾ [الصف : ٥] مالوا عن الحق ﴿ أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ﴾ [الصف : ٥] من الهداية، أو لما تركوا أوامره نزع نور الإيمان من قلوبهم، أو فلما اختاروا الزيع أزاغ الله قلوبهم أي خذلهم وحرمهم توفيق اتباع الحق ﴿ وَاللَّهُ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الْفَـاسِقِينَ ﴾ [المائدة : ١٠٨] أي لا يهدي من سبق في علمه أنه فاسق.
﴿ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَـابَنِى إِسْرَاءِيلَ ﴾ [الصف : ٦] ولم يقل يا قوم كما قال موسى
٣٦٩
لأنه لا نسب له فيهم فيكونوا قومه ﴿ إِنِّى رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَىَّ مِنَ التَّوْرَاـاةِ وَمُبَشِّرَا بِرَسُولٍ يَأْتِى مِن بَعْدِى اسْمُهُا أَحْمَدُ ﴾ [الصف : ٦] أي أرسلت إليكم في حال تصديقي ما تقدمني من التوراة وفي حالٍ تبشيري برسول يأتي من بعدي يعني أن ديني التصديق : التصديق بكتب الله وأنبيائه جميعاً ممن تقدم وتأخر ﴿ بَعْدِى ﴾ حجازي وأبو عمرو وأبو بكر وهو اختيار الخليل وسيبويه.
وانتصب ﴿ مُّصَدِّقًا ﴾ و ﴿ مُبَشِّرًا ﴾ بما في الرسول من معنى الإرسال ﴿ فَلَمَّا جَآءَهُم ﴾ [الزخرف : ٤٧] عيسى أو محمد عليهما السلام ﴿ بِالْبَيِّنَـاتِ ﴾ بالمعجزات ﴿ قَالُوا هَـاذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴾ [النمل : ١٣] ﴿ سِحْرٌ ﴾ حمزة وعلي.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٦٨
﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الاسْلَـامِ وَاللَّهُ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّـالِمِينَ ﴾ [الصف : ٧] وأيّ الناس أشد ظلماً ممن يدعوه ربه على لسان نبيه إلى الإسلام الذي له فيه سعادة الدارين فيجعل مكان إجابته إليه افتراء الكذب على الله بقوله لكلامه الذي هو دعاء عباده إلى الحق هذا سحر والسحر كذب وتمويه ﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِـاُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ ﴾ هذا تهكم في إرادتهم إبطال الإسلام بقولهم في القرآن هذا سحر، مثلت حالهم بحال من ينفخ في نور الشمس بفيه ليطفئه، والمفعول محذوف واللام للتعليل والتقدير يريدون الكذب ليطفئوا نور الله بأفواههم أي بكلامهم ﴿ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ ﴾ [الصف : ٨] مكي وحمزة وعلي وحفص ﴿ مُتِمُّ نُورِهِ ﴾ [الصف : ٨] غيرهم أي متم الحق ومبلغه غايته ﴿ وَلَوْ كَرِهَ الْكَـافِرُونَ ﴾ [التوبة : ٣٢].
﴿ هُوَ الَّذِى أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ ﴾ [التوبة : ٣٣] أي الملة الحنيفية ﴿ لِيُظْهِرَهُ ﴾ ليعليه ﴿ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ﴾ [الفتح : ٢٨] على جميع الأديان المخالفة له، ولعمري لقد فعل فما بقي دين من الأديان إلا وهو مغلوب مقهور بدين الإسلام.
وعن مجاهد : إذا نزل عيسى لم يكن في الأرض إلا دين الإسلام ﴿ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة : ٣٣].
﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَى تِجَـارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الصف : ١٠] ﴿ تُنجِيكُم ﴾ شامي
٣٧٠