﴿ تُؤْمِنُونَ ﴾ استئناف كأنهم قالوا : كيف نعمل؟ فقال : تؤمنون وهو بمعنى آمنوا عند سيبويه ولهذا أجيب بقوله ﴿ يَغْفِرْ لَكُمْ ﴾ [الصف : ١٢] ويدل عليه قراءة ابن مسعود ﴿ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَـاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ ﴾ وإنما جيء به على لفظ الخبر للإيذان بوجوب الامتثال وكأنه امتثل فهو يخبر عن إيمان وجهاد موجودين ﴿ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَـاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَالِكُمْ ﴾ [الصف : ١١] أي ما ذكر من الإيمان والجهاد ﴿ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾ [البقرة : ١٨٤] من أموالكم وأنفسكم ﴿ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة : ١٨٤] أنه خير لكم كان خيراً حينئذ لأنكم إذا علمتم ذلك واعتقدتموه أحببتم الإيمان والجهاد فوق ما تحبون أموالكم وأنفسكم فتفلحون وتخلصون ﴿ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّـاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانْهَـارُ وَمَسَـاكِنَ طَيِّبَةً فِى جَنَّـاتِ عَدْنٍ ﴾ أي إقامة وخلود يقال : عدن بالمكان إذا أقام به كذا قيل ﴿ ذَالِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [المائدة : ١١٩].
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٦٨
﴿ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا ﴾ [الصف : ١٣] ولكم إلى هذه النعمة المذكورة من المغفرة والثواب في الآجلة نعمة أخرى عاجلة محبوبة إليكم.
ثم فسرها بقوله ﴿ نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ﴾ [الصف : ١٣] أي عاجل وهو فتح مكة والنصر على قريش، أو فتح فارس والروم.
وفي ﴿ تُحِبُّونَهَا ﴾ شيء من التوبيخ على محبة العاجل.
وقال صاحب الكشف : معناه هل أدلكم على تجارة تنجيكم وعلى تجارة أخرى تحبونها ثم قال ﴿ نَصْرٌ ﴾ أي هي نصر ﴿ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [البقرة : ٢٢٣] عطف على ﴿ تُؤْمِنُونَ ﴾ لأنه في معنى الأمر كأنه قيل : آمنوا وجاهدوا يثبكم الله وينصركم، وبشر يا رسول الله المؤمنين بذلك.
وقيل : عطف على " قل " مراداً قبل ﴿ الْمُشْرِكُونَ * يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا هَلْ أَدُلُّكمْ ﴾.
﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ ﴾ أي أنصار دينه ﴿ أَنصَارَ اللَّهِ ﴾ حجازي
٣٧١
وأبو عمرو ﴿ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ﴾ [الصف : ١٤] للحواريّن من أنصاري إلى الله ظاهره تشبيه كونهم أنصاراً بقول عيسى ﴿ مَنْ أَنصَارِى إِلَى اللَّهِ ﴾ [آل عمران : ٥٢] ولكنه محمول على المعنى أي كونوا أنصار الله كما كان الحواريون أنصار عيسى حين قال لهم ﴿ مَنْ أَنصَارِى إِلَى اللَّهِ ﴾ [آل عمران : ٥٢] ومعناه من جندي متوجهاً إلى نصرة الله ليطابق جواب الحواريين وهو قوله ﴿ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ ﴾ [آل عمران : ٥٢] أي نحن الذين ينصرون الله.
ومعنى ﴿ مَنْ أَنصَارِى ﴾ [آل عمران : ٥٢] من الأنصار الذين يختصون بي ويكونون معي في نصرة الله.
والحواريون أصفياؤه وهم أول من آمن به وكانوا اثني عشر رجلاً، وحواري الرجل صفيه وخالصه من الحور وهو البياض الخالص.
وقيل : كانوا قصارين يحورون الثياب أي يبيضونها ﴿ فَـاَامَنَت طَّآ ـاِفَةٌ مِّن بَنِى إِسْرَاءِيلَ ﴾ بعيسى ﴿ وَكَفَرَت طَّآ ـاِفَةٌ ﴾ [الصف : ١٤] به ﴿ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ ءَامَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ ﴾ [الصف : ١٤] فقوينا مؤمنيهم على كفارهم ﴿ فَأَصْبَحُوا ظَـاهِرِينَ ﴾ [الصف : ١٤] فغلبوا عليهم والله ولي المؤمنين.
٣٧٢
سورة الجمعة
مدنية وهي إحدى عشرة آية
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِى السَّمَـاوَاتِ وَمَا فِى الارْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ [الجمعة : ١] التسبيح إما أن يكون تسبيح خلقة يعني إذا نظرت إلى كل شيء دلتك خلقته على وحدانية الله تعالى وتنزيهه عن الأشباه، أو تسبيح معرفة بأن يجعل الله بلطفه في كل شيء ما يعرف به الله تعالى وينزهه، ألا ترى إلى قوله ﴿ وَإِن مِّن شَىْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـاكِن لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ﴾ [جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٧٣