يمتلئوا ويسقون بعد ذلك ثم يرجعون إلى دركاتهم، ومعنى التراخي في ذلك ظاهر ﴿ إِنَّهُمْ أَلْفَوْا ءَابَآءَهُمْ ضَآلِّينَ ﴾ علل استحقاقهم للوقوع في تلك الشدائد بتقليد الآباء في الدين واتباعهم إياهم في الضلال وترك اتباع الدليل.
والإهراع : الإسراع الشديد كأنهم يحثون حثاً ﴿ وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ ﴾ [الصافات : ٧١] قبل قومك قريش ﴿ أَكْثَرُ الاوَّلِينَ ﴾ [الصافات : ٧١] يعني الأمم الخالية بالتقليد وترك النظر والتأمل ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِم مُّنذِرِينَ ﴾ [الصافات : ٧٢] أنبياء حذروهم العواقب ﴿ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ ﴾ [يونس : ٧٣] أي الذين أنذروا وحذروا أي أهلكوا جميعاً ﴿ إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ﴾ [الصافات : ٤٠] أي إلا الذين آمنوا منهم وأخلصوا لله دينهم أو أخلصهم الله لدينه على القراءتين.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٣
ولما ذكر إرسال المنذرين في الأمم الخالية وسوء عاقبة المنذرين أتبع ذلك ذكر نوح ودعاءه إياه حين أيس من قومه بقوله ﴿ وَلَقَدْ نَادَاـانَا نُوحٌ ﴾ [الصافات : ٧٥] دعانا لننجيه من الغرق.
وقيل : أريد به قوله ﴿ أَنِّى مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ ﴾ [القمر : ١٠] (القمر : ٠١) ﴿ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ ﴾ [الصافات : ٧٥] اللام الداخلة على " نعم " جواب قسم محذوف، والمخصوص بالمدح محذوف تقديره ولقد نادانا نوح فوالله لنعم المجيبون نحن، والجمع دليل العظمة والكبرياء.
والمعنى إنا أجبناه أحسن الإجابة ونصرناه على أعدائه وانتقمنا منهم بأبلغ ما يكون
٣٦
﴿ وَنَجَّيْنَـاهُ وَأَهْلَهُ ﴾ [الصافات : ٧٦] ومن آمن به وأولاده ﴿ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ﴾ [الأنبياء : ٧٦] وهو الغرق ﴿ وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ ﴾ [الصافات : ٧٧] وقد فني غيرهم.
قال قتادة : الناس كلهم من ذرية نوح وكان لنوح عليه السلام ثلاثة أولاد : سام وهو أبو العرب وفارس والروم، وحام وهو أبو السودان من المشرق إلى المغرب، ويافث وهو أبو الترك ويأجوج ومأجوج.
﴿ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى الاخِرِينَ ﴾ [الصافات : ٧٨] من الأمم هذه الكلمة وهي ﴿ سَلَـامٌ عَلَى نُوحٍ ﴾ [الصافات : ٧٩] يعني يسلمون عليه تسليماً ويدعون له وهو من الكلام المحكي كقولك " قرأت سورة أنزلناها " ﴿ فِى الْعَـالَمِينَ ﴾ [الصافات : ٧٩] أي ثبت هذه التحية فيهم جميعاً ولا يخلو أحد منهم منها كأنه قيل : ثبت الله التسليم على نوح وأدامه في الملائكة والثقلين يسلمون عليه عن آخرهم ﴿ إِنَّا كَذَالِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الصافات : ٨٠] علل مجازاته بتلك التكرمة السنية بأنه كان محسناً ﴿ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الصافات : ٨١] ثم علل كونه محسناً بأنه كان عبداً مؤمناً ليريك جلالة محل الإيمان وأنه القصارى من صفات المدح والتعظيم ﴿ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الاخَرِينَ ﴾ [الشعراء : ٦٦] أي الكافرين.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٣
﴿ وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لابْرَاهِيمَ ﴾ أي من شيعة نوح أي ممن شايعه على أصول الدين أو شايعه على التصلب في دين الله ومصابرة المكذبين، وكان بين نوح وإبراهيم ألفان وستمائة وأربعون سنة وما كان بينهما إلا نبيان هود وصالح.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٧
﴿ إِذْ جَآءَ رَبَّهُ ﴾ [الصافات : ٨٤] " إذ " تعلق بما في الشيعة من معنى المشايعة يعني وإن ممن شايعه على دينه وتقواه حين جاء ربه ﴿ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء : ٨٩] من الشرك أو من آفات القلوب
٣٧


الصفحة التالية
Icon