لإبراهيم، أو بمحذوف وهو " اذكر ".
ومعنى المجيء بقلبه ربه أنه أخلص لله قلبه وعلم الله ذلك منه فضرب المجيء مثلاً لذلك ﴿ إِذْ ﴾ بدل من الأولى ﴿ قَالَ لابِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ * أَاـاِفْكًا ءَالِهَةً ﴾ مفعول له تقديره أتريدون آلهة من دون الله إفكاً؟ وإنما قدم المفعول به على الفعل للعناية، وقدم المفعول له على المفعول به لأنه كان الأهم عنده أن يكافحهم بأنهم على إفك وباطل في شركهم.
ويجوز أن يكون ﴿ وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا ﴾ [العنكبوت : ١٧] مفعولاً به أي أتريدون إفكاً؟ ثم فسر الإفك بقوله ﴿ دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ ﴾ [الصافات : ٨٦] على أنها إفك في نفسها، أو حالاً أي أتريدون آلهة من دون الله آفكين؟ ﴿ فَمَا ظَنُّكُم ﴾ [الصافات : ٨٧] أيّ شيء ظنكم ﴿ بِرَبِّ الْعَـالَمِينَ ﴾ [الأعراف : ١٢١] وأنتم تعبدون غيره؟ و " ما " رفع بالابتداء والخبر ﴿ ظَنُّكُم ﴾ أو فما ظنكم به ماذا يفعل بكم وكيف يعاقبكم وقد عبدتم غيره وعلمتم أنه المنعم على الحقيقة فكان حقيقاً بالعبادة؟ ﴿ فَنَظَرَ نَظْرَةً فِى النُّجُومِ ﴾ [الصافات : ٨٨] أي نظر في النجوم رامياً ببصره إلى السماء متفكراً في نفسه كيف يحتال، أو أراهم أنه ينظر في النجوم لاعتقادهم علم النجوم فأوهمهم أنه استدل بأمارة على أنه يسقم ﴿ فَقَالَ إِنِّى سَقِيمٌ ﴾ [الصافات : ٨٩] أي مشارف للسقم وهو الطاعون وكان أغلب الإسقام عليهم وكانوا يخافون العدوى ليتفرقوا عنه فهربوا منه إلى عيدهم وتركوه في بيت الأصنام ليس معه أحد، ففعل بالأصنام ما فعل.
وقالوا : علم النجوم كان حقاً ثم نسخ الاشتغال بمعرفته.
والكذب حرام إلا إذا عرّض، والذي قاله إبراهيم عليه السلام معراض من الكلام أي سأسقم، أو من الموت في عنقه سقيم ومنه المثل " كفى بالسلامة داء ".
ومات رجل فجأة فقالوا : مات وهو صحيح.
فقال أعرابي : أصحيح من الموت في عنقه، أو أراد إني سقيم النفس لكفركم كما يقال أنا مريض القلب من كذا
٣٨
﴿ فَتَوَلَّوْا ﴾ فأعرضوا ﴿ عَنْهُ مُدْبِرِينَ ﴾ [الصافات : ٩٠] أي مولين الأدبار.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٧
﴿ فَرَاغَ إِلَى ءَالِهَتِهِمْ ﴾ [الصافات : ٩١] فمال إليهم سراً ﴿ فَقَالَ ﴾ استهزاء ﴿ أَلا تَأْكُلُونَ ﴾ [الصافات : ٩١] وكان عندها طعام ﴿ مَا لَكُمْ لا تَنطِقُونَ ﴾ [الصافات : ٩٢] والجمع بالواو والنون لما أنه خاطبها خطاب من يعقل ﴿ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبَا ﴾ [الصافات : ٩٣] فأقبل عليهم مستخفياً كأنه قال فضربهم ضرباً لأن ﴿ سَوَا ءٌ عَلَيْهِمْ ﴾ بمعنى ضربهم أو فراغ عليهم يضربهم ضرباً أي ضارباً ﴿ بِالْيَمِينِ ﴾ أي ضرباً شديداً بالقوة لأن اليمين أقوى الجارحتين وأشدهما أو بالقوة والمتانة، أو بسبب الحلف الذي سبق منه وهو قوله ﴿ وَتَاللَّهِ لاكِيدَنَّ أَصْنَـامَكُم ﴾ (الأنبياء : ٧٥) ﴿ فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ ﴾ [الصافات : ٩٤] إلى إبراهيم ﴿ يَزِفُّونَ ﴾ يسرعون من الزفيف وهو الإسراع.
﴿ يَزِفُّونَ ﴾ حمزة من أزفّ إذا دخل في الزفيف إزفافاً فقال لمن رآه بعضهم يكسرها وبعضهم لم يره فأقبل من رآه مسرعاً نحوه ثم جاء من لم يره يكسرها فكأنه قد رآه ﴿ مَن فَعَلَ هَـاذَا بِـاَالِهَتِنَآ إِنَّهُ لَمِنَ الظَّـالِمِينَ ﴾ [الأنبياء : ٥٩]، فأجابوه على سبيل التعريض بقولهم ﴿ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُا إِبْرَاهِيمُ ﴾ [الأنبياء : ٦٠] (الأنبياء : ٠٦) ثم قالوا بأجمعهم نحن نعبدها وأنت تكسرها فأجابهم بقوله ﴿ قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ ﴾ [الصافات : ٩٥] بأيديكم ﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الصافات : ٩٦] وخلق ما تعملونه من الأصنام أو " ما " مصدرية أي وخلق أعمالكم وهو دليلنا في خلق الأفعال أي الله خالقكم وخالق أعمالكم فلم تعبدون غيره؟
٣٩