﴿ قُلْ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا ﴾ [الجمعة : ٦] هاد يهود إذا تهود ﴿ إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَآءُ لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَـادِقِينَ ﴾ كانوا يقولون نحن أبناء الله وأحباؤه أي إن كان قولكم حقاً وكنتم على ثقة فتمنوا على الله أن يميتكم وينقلكم سريعاً إلى دار كرامته التي أعدها لأوليائه، ثم قال ﴿ وَلا يَتَمَنَّونَهُا أَبَدَا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ﴾ [الجمعة : ٧] أي بسبب ما قدموا من الكفر.
ولا فرق بين " لا " و " لن " في أن كل واحدة منهما نفي للمستقبل إلا أن في " لن " تأكيداً وتشديداً ليس في " لا " فأتى مرة بلفظ التأكيد و ﴿ وَلَن يَتَمَنَّوْهُ ﴾ ومرة بغير لفظه و ﴿ وَلا يَتَمَنَّونَهُ ﴾ ﴿ وَاللَّهُ عَلِيمُ بِالظَّـالِمِينَ ﴾ [البقرة : ٩٥] وعيد لهم ﴿ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِى تَفِرُّونَ مِنْهُ ﴾ [الجمعة : ٨] ولا تجسرون أن تتمنوه خيفة أن تؤخذوا بوبال كفركم ﴿ فَإِنَّهُ مُلَـاقِيكُمْ ﴾ [الجمعة : ٨] لا محالة والجملة خبر " إن " ودخلت الفاء لتضمن الذي معنى الشرط ﴿ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَـالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَـادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [التوبة : ٩٤] فيجازيكم بما أنتم أهله من العقاب.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٧٣
﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نُودِىَ لِلصَّلَواةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ ﴾ [الجمعة : ٩] النداء الأذان و " من " بيان لـ " إذا " وتفسير له، ويوم الجمعة سيد الأيام وفي الحديث :" من مات يوم الجمعة كتب الله له أجر شهيد ووقى فتنة القبر " (١) ﴿ فَاسْعَوْا ﴾ فامضوا وقرىء بها وقال
٣٧٥
الفراء : السعي والمضي والذهاب واحد وليس المراد به السرعة في المشي ﴿ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [الزمر : ٢٣] أي إلى الخطبة عند الجمهور وبه استدل أبو حنيفة رضي الله عنه على أن الخطيب إذا اقتصر على الحمد لله جاز ﴿ وَذَرُوا الْبَيْعَ ﴾ [الجمعة : ٩] أراد الأمر بترك ما يذهل عن ذكر الله من شواغل الدنيا.
وإنما خص البيع من بينها لأن يوم الجمعة يتكاثر فيه البيع والشراء عند الزوال فقيل له بادروا تجارة الآخرة واتركوا تجارة الدنيا واسعوا إلى ذكر الله الذي لا شيء أنفع منه وأربح، وذروا البيع الذي نفعه يسير ﴿ ذَالِكُمْ ﴾ أي السعي إلى ذكر الله ﴿ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾ [البقرة : ١٨٤] من البيع والشراء ﴿ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَواةُ ﴾ أي أديت ﴿ فَانتَشِرُوا فِى الارْضِ ﴾ [الجمعة : ١٠] أمر إباحة ﴿ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ ﴾ [الجمعة : ١٠] الرزق أو طلب العلم أو عيادة المريض أو زيارة أخ في الله ﴿ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الانفال : ٤٥] واشكروه على ما وفقكم لأداء فرضه ﴿ لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَإِذَا رَأَوْا تِجَـارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا ﴾ تفرقوا عنك إليها وتقديره : وإذا رأوا تجارة انفضوا إليها أو لهوا انفضواأليه فحذف احدهما لدلالة المذكور عليه خص التجارة لأنها كانت أهم عندهم.
روي أن أهل المدينة أصابهم جوع وغلاء، فقدم دحية بن خليفة بتجارة من زيت الشأم والنبي صلى الله عليه وسلّم يخطب يوم الجمعة فقاموا إليه فما بقي معه إلا ثمانية أو اثنا عشر فقال صلى الله عليه وسلّم : والذي نفس محمد بيده لو خرجوا جميعاً لأضرم عليهم الوادي ناراً.
وكانوا إذا أقبلت العير استقبلوها بالطبل والتصفيق فهو المراد باللهو ﴿ وَتَرَكُوكَ ﴾ على المنبر ﴿ قَآ ـاِمًا ﴾ تخطب، وفيه دليل على أن الخطيب ينبغي أن يخطب قائماً ﴿ قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ ﴾ [الجمعة : ١١] من الثواب ﴿ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَـارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [الجمعة : ١١] أي لا يفوتهم رزق الله بترك البيع فهو خيرالرازقين.
٣٧٦
سورة المنافقون
إحدى عشرة آية مدينة

بسم الله الرحمن الرحيم



الصفحة التالية
Icon