﴿ إِذَا جَآءَكَ الْمُنَـافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ﴾ [المنافقون : ١] أرادوا شهادة واطأت فيها قلوبهم ألسنتهم ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ ﴾ [المنافقون : ١] أي والله يعلم أن الأمر كما يدل عليه قولهم ﴿ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ﴾ [المنافقون : ١] ﴿ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَـافِقِينَ لَكَـاذِبُونَ ﴾ [المنافقون : ١] في ادعاء المواطأة أو إنهم لكاذبون فيه لأنه إذا خلا عن المواطأة لم يكن شهادة في الحقيقة فهم كاذبون في تسميته شهادة، أو إنهم لكاذبون عند أنفسهم لأنهم كانوا يعتقدون أن قولهم ﴿ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ﴾ [المنافقون : ١] كذب وخبر على خلاف ما عليه حال المخبر عنه ﴿ اتَّخَذُوا أَيْمَـانَهُمْ جُنَّةً ﴾ [المجادلة : ١٦] وقاية من السبي والقتل وفيه دليل على أن أشهد يمين ﴿ فَصَدُّوا ﴾ الناس
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٧٧
﴿ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [محمد : ١] عن الإسلام بالتنفير(١) وإلقاء الشبه ﴿ إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [التوبة : ٩] من نفاقهم وصدهم الناس عن سبيل الله.
وفي " ساء " معنى التعجب الذي هو تعظيم أمرهم عند السامعين ﴿ ذَالِكَ ﴾ إشارة إلى قوله ﴿ سَآءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [التوبة : ٩] أي ذلك القول الشاهد
٣٧٧
عليهم بأنهم أسوأ الناس أعمالاً ﴿ بِأَنَّهُمْ ﴾ بسبب أنهم ﴿ ءَامَنُواّ ثُمَّ كَفَرُوا ﴾ [النساء : ١٣٧] أو إلى ما وصف من حالهم في النفاق والكذب والاستجنان بالأيمان أي ذلك كله بسبب أنهم آمنوا أي نطقوا بكلمة الشهادة وفعلوا كما يفعل من يدخل في الإسلام، ثم كفروا، ثم ظهر كفرهم بعد ذلك بقولهم : إن كان ما يقوله محمد حقاً فنحن حمير ونحو ذلك، أو نطقوا بالإيمان عند المؤمنين ثم نطقوا بالكفر عند شياطينهم استهزاء بالإسلام كقوله ﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ ءَامَنُوا قَالُوا ءَامَنَّا ﴾ [البقرة : ١٤] (البقرة : ٤١) الآية.
﴿ فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ ﴾ [المنافقون : ٣] فختم عليها حتى لا يدخلها الإيمان جزاء على نفاقهم ﴿ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ ﴾ [التوبة : ٨٧] لا يتدبرون أو لا يعرفون صحة الإيمان.
والخطاب في ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ﴾ [المنافقون : ٤] لرسول الله أو لكل من يخاطب ﴿ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ﴾ [المنافقون : ٤] كان ابن أبيّ رجلاً جسيماً صبيحاً فصيحاً، وقوم من المنافقين في مثل صفته، فكانوا يحضرون مجلس النبي صلى الله عليه وسلّم فيستندون فيه ولهم جهارة المناظر وفصاحة الألسن، فكان النبي صلى الله عليه وسلّم ومن حضر يعجبون بهياكلهم ويسمعون إلى كلامهم وموضع.
﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ ﴾ [المنافقون : ٤] رفع على " هم كأنهم خشب "، أو هو كلام مستأنف لا محل له ﴿ مُّسَنَّدَةٌ ﴾ إلى الحائط، شبهوا في استنادهم ـ وما هم إلا أجرام خالية عن الإيمان والخير ـ بالخشب المسندة إلى الحائط لأن الخشب إذا انتفع به كان في سقف أو جدار أو غيرهما من مظان الانتفاع، وما دام متروكاً غير منتفع به أسند إلى الحائط فشبهوا به في عدم الانتفاع، أو لأنهم أشباح بلا أرواح وأجسام بلا أحلام، ﴿ خُشُبٌ ﴾ أبو عمرو غير عباس وعلي جمع خشبة كبدنة وبدون خشب كثمرة وثمر يحسبون كلّ صيحةٍ عليهم ﴿ كُلَّ صَيْحَةٍ ﴾ [المنافقون : ٤] مفعول أول والمفعول الثاني ﴿ عَلَيْهِمْ ﴾ وتم الكلام أي يحسبون كل صيحة واقعة عليهم وضارة لهم لخيفتهم ورعبهم يعني إذا نادى منادٍ في العسكر أو انفلتت دابة أو أنشدت ضالة ظنوه إيقاعاً بهم.
ثم قال ﴿ هُمُ الْعَدُوُّ ﴾ [المنافقون : ٤] أي هم الكاملون في العداوة لأن أعدى الأعداء العدو المداجي الذي يكاشرك وتحت ضلوعه الداء الدوي ﴿ فَاحْذَرْهُمْ ﴾ ولا تغترر بظاهرهم ﴿ قَـاتَلَهُمُ اللَّهُ ﴾ [التوبة : ٣٠] دعاء
٣٧٨
عليهم أو تعليم للمؤمنين أن يدعوا عليهم بذلك ﴿ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ [المائدة : ٧٥] كيف يعدلون عن الحق تعجباً من جهلهم وضلالتهم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٧٧


الصفحة التالية
Icon