﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ ﴾ عطفوها وأمالوها إعراضاً عن ذلك واستكباراً ﴿ لَوَّوْا ﴾ بالتخفيف : نافع ﴿ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ ﴾ [المنافقون : ٥] يعرضون ﴿ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ ﴾ [النحل : ٢٢] عن الاعتذار والاستغفار.
روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم حين لقي بني المصطلق على المريسيع ـ وهو ماء لهم ـ وهزمهم وقتلهم، ازدحم على الماء جهجاه بن سعيد ـ أجير لعمر ـ وسنان الجهني ـ حليف لابن أبي ـ واقتتلا، فصرخ جهجاه : يا للمهاجرين، وسنان : يا للأنصار، فأعان جهجاهاً جعال ـ من فقراء المهاجرين ـ ولطم سناناً فقال عبد الله لجعال وأنت هناك وقال : ما صحبنا محمداً إلا لنلطم والله ما مثلنا ومثلهم إلا كما قال : سمن كلبك يأكلك.
أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، عني بالأعز نفسه وبالأذل رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ثم قال لقومه : والله لو أمسكتم عن جعال وذويه فضل الطعام لم يركبوا رقابكم فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا من حول محمد.
فسمع بذلك زيد بن أرقم وهو حدث فقال : أنت والله الذليل المبغض في قومك، ومحمد على رأسه تاج المعراج في عز من الرحمن وقوة من المسلمين.
فقال عبد الله : اسكت فإنما كنت ألعب.
فأخبر زيد رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال عمر رضي الله عنه : دعني أضرب عنق هذا المنافق يا رسول الله.
فقال : إذن ترعد أنف كثيرة بيثرب.
قال : فإن كرهت أن يقتله مهاجري فأمر به أنصارياً.
قال : فكيف إذا تحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه.
وقال عليه الصلاة والسلام لعبد الله : أنت صاحب الكلام الذي بلغني؟ قال : والله أنزل عليك الكتاب ما قلت شيئاً من ذلك وإن زيداً لكاذب فهو قوله ﴿ اتَّخَذُوا أَيْمَـانَهُمْ جُنَّةً ﴾ [المجادلة : ١٦] فقال الحاضرون : يا رسول الله شيخنا وكبيرنا لا تصدق عليه
٣٧٩
كلام غلام عسى أن يكون قدوهم.
فلما نزلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم لزيد : يا غلام إن الله قد صدقك وكذب المنافقين.
فلما بان كذب عبد الله قيل له : قد نزلت فيك آي شداد فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم يستغفر لك فلوى رأسه فقال : أمرتموني أن أومن فآمنت وأمرتموني أن أزكي مالي فزكيت وما بقي لي إلا أن أسجد لمحمد، فنزل ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﴾ [المنافقون : ٥] ولم يلبث إلا أياماً حتى اشتكى ومات.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٧٧
﴿ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ﴾ [المنافقون : ٦] أي ما داموا على النفاق.
والمعنى سواء عليهم الاستغفار وعدمه لأنهم لا يلتفتون إليه ولا يعتدون به لكفرهم، أو لأن الله لا يغفر لهم.
وقرىء ﴿ أَسْتَغْفَرْتَ ﴾ على حذف حرف الاستفهام لأن " أم " المعادلة تدل عليه ﴿ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الْفَـاسِقِينَ ﴾ [المنافقون : ٦] يتفرقوا ﴿ وَلِلَّهِ خَزَآ ـاِنُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ ﴾ [المنافقون : ٧] أي وله الأرزاق والقسم فهو رازقهم منها وإن أبى أهل المدينة أن ينفقوا عليهم ﴿ وَلَـاكِنَّ الْمُنَـافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ ﴾ [المنافقون : ٧] ولكن عبد الله وأضرابه جاهلون لا يفقهون ذلك فيهذون بما يزين لهم الشيطان.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٧٧
﴿ يَقُولُونَ لَـاـاِن رَّجَعْنَآ ﴾ [المنافقون : ٨] من غزوة بني المصطلق ﴿ إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الاعَزُّ مِنْهَا الاذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ ﴾ [المنافقون : ٨] الغلبة والقوة ﴿ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [المنافقون : ٨] ولمن أعزه الله وأيده من رسوله ومن المؤمنين وهم الأخصاء بذلك كما أن المذلة والهوان للشيطان وذويه من الكافرين والمنافقين.
وعن بعض الصالحات وكانت في هيئة رثة : ألست على
٣٨٠