الإسلام وهو العز الذي لا ذل معه، والغني الذي لا فقر معه وعن الحسن بن علي رضي الله عنهما أن رجلاً قال له : إن الناس يزعمون أن فيك تيهاً.
قال : ليس بتيه ولكنه عزة وتلا هذه الآية ﴿ تُلْهِكُمْ ﴾ لا تشغلكم ﴿ أَمْوَالُكُمْ ﴾ والتصرف فيها والسعي في تدبير أمرها بالنماء وطلب النتاج ﴿ وَلا أَوْلَـادُكُمْ ﴾ [سبأ : ٣٧] وسروركم بهم وشفقتكم عليهم والقيام بمؤنهم ﴿ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [النور : ٣٧] أي عن الصلوات الخمس أو عن القرآن ﴿ وَمَن يَفْعَلْ ذَالِكَ ﴾ [النساء : ١١٤] يريد الشغل بالدنيا عن الدين.
وقيل : من يشتغل بتثمير أمواله عن تدبير أحواله وبمرضاة أولاده عن إصلاح معاده ﴿ فَأُوالَـائكَ هُمُ الْخَـاسِرُونَ ﴾ [البقرة : ١٢١] في تجارتهم حيث باعوا الباقي بالفاني.
﴿ وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَـاكُم ﴾ [المنافقون : ١٠] " من " للتبعيض والمراد بالإنفاق الواجب ﴿ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ﴾ [المنافقون : ١٠] أي من قبل أن يرى دلائل الموت ويعاين ما ييأس معه من الإمهال ويتعذر عليه الإنفاق ﴿ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِى ﴾ [المنافقون : ١٠] هلا أخرت موتي ﴿ إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ ﴾ [المنافقون : ١٠] إلى زمان قليل ﴿ فَأَصَّدَّقَ ﴾ فأتصدق وهو جواب " لولا " ﴿ وَأَكُن مِّنَ الصَّـالِحِينَ ﴾ [المنافقون : ١٠] من المؤمنين.
والآية في المؤمنين.
وقيل : في المنافقين.
و ﴿ أَكُونَ ﴾ أبو عمرو بالنصب عطفاً على اللفظ، والجزم على موضع ﴿ فَأَصَّدَّقَ ﴾ كأنه قيل : إن أخرتني أصدق وأكن ﴿ وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا ﴾ [المنافقون : ١١] عن الموت ﴿ إِذَا جَآءَ أَجَلُهَآ ﴾ [المنافقون : ١١] المكتوب في اللوح المحفوظ ﴿ وَاللَّهُ خَبِيرُ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [آل عمران : ١٥٣] ﴿ يَعْمَلُونَ ﴾ حماد ويحيى، والمعنى أنكم إذا علمتم أن تأخير الموت عن وقته مما لا سبيل إليه، وأنه هاجم لا محالة، وأن الله عليم بأعمالكم فمجاز عليها من منع واجب وغيره، لم يبق إلا المسارعة إلى الخروج عن عهدة الواجب والاستعداد للقاء الله.
٣٨١
سورة التغابن
ثماني عشرة آية مختلف فيها
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِى السَّمَـاوَاتِ وَمَا فِى الارْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٨٢
التغابن : ١] قدم الظرفان ليدل بتقديمهما على اختصاص الملك والحمد بالله عز وجل، وذلك لأن الملك على الحقيقة له لأنه مبدىء كل شيء والقائم به، وكذا الحمد لأن أصول النعم وفروعها منه، وأما ملك غيره فتسليط منه واسترعاء وحمد غيره اعتداد بأن نعمة الله جرت على يده ﴿ هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ ﴾ [التغابن : ٢] أي فمنكم آتٍ بالكفر وفاعل له، ومنكم آتٍ بالإيمان وفاعله له، ويدل عليه ﴿ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة : ٢٦٥] أي عالم وبصير بكفركم وإيمانكم اللذين هما من عملكم.
والمعنى هو الذي تفضل عليكم بأصل النعم الذي هو الخلق والإيجاد من العدم، وكان يجب أن تكونوا بأجمعكم شاكرين، فما بالكم تفرقتم أمماً فمنكم كافر ومنكم مؤمن؟ وقدم الكفر لأنه الأغلب عليهم والأكثر فيهم وهو رد لقول من يقول بالمنزلة بين المنزلتين.
وقيل : هو الذي خلقكم فمنكم كافر بالخلق وهم الدهرية، ومنكم مؤمن به.
٣٨٢