﴿ خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ بِالْحَقِّ ﴾ [إبراهيم : ١٩] بالحكمة البالغة وهو أن جعلها مقار المكلفين ليعملوا فيجازيهم ﴿ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ﴾ [التغابن : ٣] أي جعلكم أحسن الحيوان كله وأبهاه بدليل أن الإنسان لا يتمنى أن تكون صورته على خلاف ما يرى من سائر الصور، ومن حسن صورته أنه خلق منتصباً غير منكب، ومن كان دميماً مشوه الصورة سمج الخلقة فلا سماجة ثمّ، ولكن الحسن على طبقات فلانحطاطها عما فوقها لا تستملح ولكنها غير خارجة عن حد الحسن، وقالت الحكماء : شيئان لا غاية لهما، الجمال والبيان ﴿ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ﴾ [المائدة : ١٨] فأحسنوا سرائركم كما أحسن صوركم ﴿ يَعْلَمُ مَا فِى السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمُ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [التغابن : ٤] نبه بعلمه ما في السماوات والأرض، ثم بعلمه بما يسره العباد ويعلنونه، ثم بعلمه بذات الصدور أن شيئاً من الكليات والجزئيات غير خافٍ عليه فحقه أن يتقى ويحذر ولا يجترأ على شيء مما يخالف رضاه.
وتكرير العلم في معنى تكرير الوعيد وكل ما ذكره بعده قوله ﴿ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ ﴾ [التغابن : ٢] في معنى الوعيد على الكفر وإنكار أن يعصى الخالف ولا تشكر نعمته.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٨٢
﴿ أَلَمْ يَأْتِكُمْ ﴾ [الزمر : ٧١] الخطاب لكفار مكة ﴿ نَبَؤُا الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ ﴾ [التغابن : ٥] يعني قوم نوح وهود وصالح ولوط ﴿ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ ﴾ [التغابن : ٥] أي ذاقوا وبال كفرهم في الدنيا ﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [البقرة : ١٧٤] في العقبى.
﴿ ذَالِكَ ﴾ إشارة إلى ما ذكر من الوبال الذي ذاقوه في الدنيا وما أعد لهم من العذاب في الآخرة ﴿ بِأَنَّهُ ﴾ بأن الشأن والحديث ﴿ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَـاتِ ﴾ [التغابن : ٦] بالمعجزات ﴿ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا ﴾ [التغابن : ٦] أنكروا الرسالة للبشر ولم ينكروا العبادة للحجر ﴿ فَكَفَرُوا ﴾ بالرسل ﴿ وَتَوَلَّوا ﴾ عن الإيمان ﴿ وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ ﴾ [التغابن : ٦] أطلق ليتناول كل شيء ومن جملته أيمانهم وطاعتهم ﴿ وَاللَّهُ غَنِىٌّ ﴾ [البقرة : ٢٦٣] عن خلقه ﴿ حَمِيدٌ ﴾ على صنعه.
﴿ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [التغابن : ٧] أي أهل مكة، والزعم ادعاء العلم ويتعدى تعدي العلم
٣٨٣
﴿ أَن لَّن يُبْعَثُوا ﴾ [التغابن : ٧] " أن " مع ما في حيزه قائم مقام المفعولين وتقديره أنهم لن يبعثوا ﴿ قُلْ بَلَى ﴾ [سبأ : ٣] هو إثبات لما بعد " لن " وهو البعث ﴿ وَرَبِّى لَتُبْعَثُنَّ ﴾ [التغابن : ٧] أكد الإخبار باليمين.
فإن قلت : ما معنى اليمين على شيء أنكروه؟ قلت : هو جائز لأن التهديد به أعظم موقعاً في القلب فكأنه قيل لهم : ما تنكرونه كائن لا محالة.
﴿ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَالِكَ ﴾ [التغابن : ٧] البعث ﴿ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [الحج : ٧٠] هين ﴿ قُلْ يَـا أَيُّهَا النَّاسُ ﴾ [الأعراف : ١٥٨] محمد صلى الله عليه وسلّم ﴿ وَالنُّورِ الَّذِى أَنزَلْنَا ﴾ [التغابن : ٨] يعني القرآن لأنه يبين حقيقة كل شيء فيهتدي به كما بالنور
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٨٢


الصفحة التالية
Icon