﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ ﴾ [الطلاق : ١] حتى تنقضي عدتهن ﴿ مِن بُيُوتِهِنَّ ﴾ [الطلاق : ١] من مساكنهن التي يسكنها قبل العدة وهي بيوت الأزواج، وأضيفت إليهن لاختصاصها بهن من حيث السكنى، وفيه دليل على أن السكنى واجبة، وأن الحنث بدخول دار يسكنها فلان بغير ملك ثابت فيما إذا حلف لا يدخل داره.
ومعنى الإخراج أن لا يخرجهن البعولة غضباً عليهن وكراهة لمساكنتهن أو لحاجة لهم إلى المساكن، وأن لا يأذنوا لهن في الخروج إذا طلبن ذلك إيذاناً بأن إذنهم لا أثر له في رفع الحظر ﴿ وَلا يَخْرُجْنَ ﴾ [الطلاق : ١] بأنفسهن إن أردن ذلك ﴿ إِلا أَن يَأْتِينَ بِفَـاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ﴾ [النساء : ١٩] قيل : هي الزنا أي إلا أن يزنين فيخرجن لإقامة الحد عليهن.
وقيل : خروجها قبل انقضاء العدة فاحشة في نفسه ﴿ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ﴾ [المجادلة : ٤] أي الأحكام المذكورة ﴿ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُا لا تَدْرِى ﴾ أيها المخاطب ﴿ لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَالِكَ أَمْرًا ﴾ [الطلاق : ١] بأن يقلب قلبه من بغضها إلى محبتها، ومن الرغبة عنها إلى الرغبة فيها، ومن عزيمة الطلاق إلى الندم عليه فيراجعها، والمعنى فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة ولا تخرجوهن من بيوتهن لعلكم تندمون فتراجعون.
﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ﴾ [الطلاق : ٢] قاربن آخر العدة ﴿ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ﴾ [الطلاق : ٢] أي فأنتم بالخيار إن شئتم فالرجعة والإمساك بالمعروف والإحسان، وإن شئتم فترك الرجعة والمفارقة واتقاء الضرار وهو أن يراجعها في آخر عدتها ثم يطلقها تطويلاً للعدة عليها وتعذيباً لها ﴿ وَأَشْهِدُوا ﴾ يعني عند الرجعة والفرقة جميعاً، وهذا الإشهاد مندوب إليه لئلا يقع بينهما التجاحد ﴿ ذَوَىْ عَدْلٍ مِّنكُمْ ﴾ [الطلاق : ٢] من المسلمين ﴿ وَأَقِيمُوا الشَّهَـادَةَ لِلَّهِ ﴾ [الطلاق : ٢] لوجهه خالصاً وذلك أن يقيموها لا للمشهود له ولا للمشهود عليه ولا لغرض من الأغراض سوى إقامة الحق ودفع الضرر ﴿ ذَلِكُمْ ﴾ الحث على إقامة الشهادة لوجه الله ولأجل القيام بالقسط ﴿ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاخِرِ ﴾ [الطلاق : ٢] أي إنما ينتفع به هؤلاء ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ﴾ [الطلاق : ٢] هذه جملة اعتراضية مؤكدة لما سبق من إجراء أمر الطلاق على السنة، والمعنى ومن يتق الله فطلق للسنة ولم يضار
٣٨٨
المعتدة ولم يخرجها من مسكنها واحتاط فأشهد ﴿ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا ﴾ مما في شأن الأزواج من الغموم والوقوع في المضايق ويفرج عنه ويعطه الخلاص.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٨٧
﴿ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق : ٣] من وجه لا يخطر بباله ولا يحتسبه، ويجوز أن يجاء بها على سبيل الاستطراد عند ذكر قوله :﴿ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ ﴾ [الطلاق : ٢].
أي ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ومخلصاً من غموم الدنيا والآخرة.
وعن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قرأها فقال : مخرجاً من شبهات الدنيا ومن غمرات الموت ومن شدائد يوم القيامة.