وقال صلى الله عليه وسلّم :" إني لأعلم آية لو أخذ الناس بها لكفتهم ومن يتق الله ".
فما زال يقرؤها ويعيدها، وروي أن عوف بن مالك أسر المشركون ابناً له فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال : أسر ابني وشكا إليه الفاقة فقال : ما أمسى عند آل محمد إلا مدّ فاتق الله واصبر وأكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فعاد إلى بيته وقال لامرأته : إن رسول الله أمرني وإياك أن نستكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فقالت : نعم ما أمرنا به فجعلا يقولان ذلك، فبينما هو في بيته إذ قرع ابنه الباب ومعه مائة من الإبل تغفل عنها العدو فاستاقها فنزلت هذه الآية ﴿ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ﴾ يكل أمره إليه عن طمع غيره وتدبير نفسه ﴿ فَهُوَ حَسْبُهُا ﴾ [الطلاق : ٣] كافيه في الدارين ﴿ إِنَّ اللَّهَ بَـالِغُ أَمْرِهِ ﴾ [الطلاق : ٣] حفص أي منفذ أمره، غيره ﴿ بَـالِغُ أَمْرِهِ ﴾ [الطلاق : ٣] أي يبلغ ما يريد لا يفوته مراد ولا يعجزه مطلوب ﴿ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَىْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق : ٣] تقديراً وتوقيتاً، وهذا بيان لوجوب التوكل على الله وتفويض الأمر إليه، لأنه إذا علم أن كل شيء من الرزق ونحوه لا يكون إلا بتقديره وتوقيته لم يبق إلا التسليم للقدر والتوكل.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٨٧
﴿ وَالَّـاـاِى يَـاـاِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَآ ـاِكُمْ ﴾ روي أن ناساً قالوا : قد عرفنا عدة
٣٨٩
ذوات الإقراء فما عدة اللائي لم يحضن؟ فنزلت ﴿ إِنِ ارْتَبْتُمْ ﴾ [الطلاق : ٤] أي أشكل عليكم حكمهن وجهلتم كيف يعتددن ﴿ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَـاثَةُ أَشْهُرٍ ﴾ أي فهذا حكمهن.
وقيل : إن ارتبتم في دم البالغات مبلغ اليأس، وقد قدروه بستين سنة وبخمس وخمسين أهو دم حيض أو استحاضة فعدتهن ثلاثة أشهر، وإذا كانت عدة المرتاب بها فغير المرتاب بها أولى بذلك ﴿ وَالَّـاـاِى لَمْ يَحِضْنَ ﴾ هن الصغائر وتقديره واللائي لم يحضن فعدتهن ثلاثة أشهر فحذفت الجملة لدلالة المذكور عليها ﴿ وَأُوْلَـاتُ الاحْمَالِ أَجَلُهُنَّ ﴾ [الطلاق : ٤] عدتهن ﴿ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ﴾ [الطلاق : ٤] والنص يتناول المطلقات والمتوفي عنهم أزواجهن.
وعن علي وابن عباس رضي الله عنهم : عدة الحامل المتوفي عنها زوجها أبعد الأجلين ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾ [الطلاق : ٤] ييسر له من أمره ويحلل من عقده بسبب التقوى ﴿ ذَالِكَ أَمْرُ اللَّهِ ﴾ [الطلاق : ٥] أي ما علم من حكم هؤلاء المعتدات ﴿ أَنزَلَهُا إِلَيْكُمْ ﴾ [الطلاق : ٥] من اللوح المحفوظ ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ ﴾ [الطلاق : ٢] في العمل بما أنزله من هذه الأحكام وحافظ على الحقوق الواجبة عليه ﴿ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّـاَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُا أَجْرًا ﴾ [الطلاق : ٥] ثم بين التقوى في قوله ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ ﴾ [الطلاق : ٢] كأنه قيل : كيف نعمل بالتقوى في شأن المعتدات؟ فقيل ﴿ أَسْكِنُوهُنَّ ﴾ وكذا وكذا ﴿ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم ﴾ [الطلاق : ٦] هي " من " التبعيضية مبعضها محذوف أي أسكنوهن مكاناً من حيث سكنتم أي بعض مكان سكناكم ﴿ مِّن وُجْدِكُمْ ﴾ [الطلاق : ٦] هو عطف بيان لقوله ﴿ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم ﴾ [الطلاق : ٦] وتفسير له كأنه قيل : أسكنوهن مكاناً من مسكنكم مما تطيقونه والوجد : الوسع والطاقة.
وقرىء بالحركات الثلاث والمشهور الضم.
والنفقة والسكنى واجبتان لكل مطلقة، وعند مالك والشافعي لا نفقة للمبتوتة لحديث فاطمة بنت قيس أن زوجها أبت طلاقها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : لا سكنى لك ولا نفقة.
وعن عمر رضي الله عنه : لا ندع كتاب ربنا وسنة نبينا بقول امرأة لعلها نسيت أو شبه لها سمعت النبي صلى الله عليه وسلّم يقول لها السكنى والنفقة
٣٩٠
﴿ وَلا تُضَآرُّوهُنَّ ﴾ [الطلاق : ٦] ولا تستعملوا معهن الضرار ﴿ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ﴾ [الطلاق : ٦] في المسكن ببعض الأسباب من إنزال من لا يوافقهن أو يشغل مكانهن أو غير ذلك حتى تضطروهن إلى الخروج.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٨٧


الصفحة التالية
Icon