﴿ وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِىُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ ﴾ [التحريم : ٣] يعني حفصة ﴿ حَدِيثًا ﴾ حديث مارية وإمامة الشيخين ﴿ فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ ﴾ [التحريم : ٣] أفشته إلى عائشة رضي الله عنها ﴿ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ ﴾ [التحريم : ٣] وأطلع النبي صلى الله عليه وسلّم على إفشائها الحديث على لسان جبريل عليه السلام ﴿ عَرَّفَ بَعْضَهُ ﴾ [التحريم : ٣] أعلم ببعض الحديث ﴿ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ ﴾ [التحريم : ٣] فلم يخبر به تكرماً.
قال سفيان : ما زال التغافل من فعل الكرام ﴿ عَرَّفَ ﴾ بالتخفيف : عليّ أي جازى عليه من قولك للمسيء لأعرفن لك ذلك.
وقيل : المعروف حديث الإمامة والمعرض عنه حديث مارية.
وروي أنه قال لها : ألم أقل لك اكتمي عليّ؟ قالت : والذي بعثك بالحق ما ملكت نفسي فرحاً بالكرامة التي خص الله بها أباها ﴿ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ ﴾ [التحريم : ٣] نبأ النبي حفصة بما أفشت من السر إلى عائشة ﴿ قَالَتْ ﴾ حفصة للنبي صلى الله عليه وسلّم ﴿ مَنْ أَنابَأَكَ هَـاذَا قَالَ نَبَّأَنِىَ الْعَلِيمُ ﴾ [التحريم : ٣] بالسرائر ﴿ الْخَبِيرُ ﴾ بالضمائر.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٩٤
﴿ إِن تَتُوبَآ إِلَى اللَّهِ ﴾ [التحريم : ٤] خطاب لحفصة وعائشة على طريقة الالتفات ليكون أبلغ
٣٩٥
في معاتبتهما، وجواب الشرط محذوف والتقدير : إن تتوبا إلى الله فهو الواجب ودل على المحذوف ﴿ فَقَدْ صَغَتْ ﴾ [التحريم : ٤] مالت ﴿ قُلُوبُكُمَا ﴾ عن الواجب في مخالصة رسول الله صلى الله عليه وسلّم من حب ما يحبه وكراهة ما يكرهه ﴿ وَإِن تَظَـاهَرَا عَلَيْهِ ﴾ [التحريم : ٤] بالتخفيف : كوفي وإن تعاونا عليه بما يسوءه من الإفراط في الغيرة وإفشاء سره ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَـاـاهُ ﴾ [التحريم : ٤] وليه وناصره.
وزيادة ﴿ هُوَ ﴾ إيذان بأنه يتولى ذلك بذاته ﴿ وَجِبْرِيلُ ﴾ أيضاً وليه ﴿ وَصَـالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [التحريم : ٤] ومن صلح من المؤمنين أي كل من آمن وعمل صالحاً.
وقيل : من بريء من النفاق.
وقيل : الصحابة.
وقيل : واحد أريد به الجمع كقولك لا يفعل هذا الصالح من الناس تريد الجنس.
وقيل : أصله صالحو المؤمنين فحذفت الواو من الخط موافقة للفظ ﴿ وَالْمَلَـائكَةُ ﴾ على تكاثر عددهم ﴿ بَعْدَ ذَالِكَ ﴾ [الطلاق : ١] بعد نصرة الله وجبريل وصالحي المؤمنين ﴿ ظَهِيرٌ ﴾ فوج مظاهر له فما يبلغ تظاهر امرأتين على من هؤلاء ظهراؤه، ولما كانت مظاهرة الملائكة من جملة نصرة الله قال بعد ذلك تعظيماً لنصرتهم ومظاهرتهم.
﴿ عَسَى رَبُّهُا إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ ﴾ [التحريم : ٥] ﴿ يُبْدِلَهُ ﴾ مدني وأبو عمرو فالتشديد للكثرة ﴿ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ ﴾ [التحريم : ٥] فإن قلت : كيف تكون المبدلات خيراً منهن ولم يكن على وجه الأرض نساء خير من أمهات المؤمنين؟ قلت : إذا طلقهن رسول الله صلى الله عليه وسلّم لإيذائهن إياه لم يبقين على تلك الصفة، وكان غيرهن من الموصوفات بهذه الأوصاف خيراً منهن ﴿ مُسْلِمَـاتٍ مُّؤْمِنَـاتٍ ﴾ [التحريم : ٥] مقرات مخلصات ﴿ قَـانِتَـاتٍ ﴾ مطيعات، فالقنوت هو القيام بطاعة الله وطاعة الله في طاعة رسوله ﴿ تَـائبَـاتٍ ﴾ من الذنوب أو راجعات إلى الله وإلى أمر رسوله ﴿ عَـابِدَاتٍ ﴾ لله ﴿ سَـائحَـاتٍ ﴾ مهاجرات أو صائمات.
وقيل : للصائم سائح لأن السائح لا زاد معه فلا يزال ممسكاً إلى أن يجد ما يطعمه فشبه به الصائم في إمساكه إلى أن يجيء وقت إفطاره ﴿ ثَيِّبَـاتٍ وَأَبْكَارًا ﴾ [التحريم : ٥] إنما وسط العاطف بين الثيبات والأبكار دون سائر الصفات لأنهما صفتان متنافيتان بخلاف سائر الصفات.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٣٩٤
﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ ﴾ [التحريم : ٦] بترك المعاصي وفعل الطاعات ﴿ وَأَهْلِيكُمْ ﴾ بأن تأخذوهم بما تأخذون به أنفسكم ﴿ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾ [التحريم : ٦] نوعاً من النار لا تتقد إلا بالناس والحجارة كما يتقد غيرها من النيران بالحطب
٣٩٦


الصفحة التالية
Icon