﴿ فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ ﴾ [القلم : ٥] أي عن قريب ترى ويرون وهذا وعد له ووعيد لهم ﴿ بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ ﴾ المجنون لأنه فتن أي محن بالجنون، والباء مزيدة، أو المفتون مصدر كالمعقول أي بأيكم الجنون.
وقال الزجاج : الباء بمعنى " في " تقول : كنت ببلد كذا أي في بلد كذا، وتقديره في أيكم المفتون أي في أي الفريقين منكم المجنون : فريق الإسلام أو فريق الكفر؟ ﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ﴾ [النحل : ١٢٥] أي هو أعلم بالمجانين على الحقيقة وهم الذين ضلوا عن سبيله ﴿ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [الأنعام : ١١٧] أي هو أعلم بالعقلاء هم والمهتدون ﴿ فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ [القلم : ٨] تهييج للتصميم على معاصاتهم وقد أرادوه على أن يعبد الله مدة وآلهتهم مدة ويكفوا عنه غوائلهم ﴿ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ ﴾ [القلم : ٩] لو تلين لهم ﴿ فَيُدْهِنُونَ ﴾ فيلينون لك.
ولم ينصب بإضمار " أن " وهو جواب التمني لأنه عدل به إلى طريق آخر، وهو أن جعل خبر مبتدأ محذوف أي فهم يدهنون أي فهم الآن يدهنون لطمعهم في ادهانك.
﴿ وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ ﴾ [القلم : ١٠] كثير الحلف في الحق والباطل وكفى به مزجرة لمن اعتاد الحلف ﴿ مَّهِينٍ ﴾ حقير في الرأي والتمييز من المهانة وهي القلة والحقارة، أو كذاب لأنه حقير عند الناس
٤٠٩
﴿ هَمَّازٍ ﴾ عياب طعان مغتاب ﴿ مَّشَّآء بِنَمِيمٍ ﴾ [القلم : ١١] نقال للحديث من قوم إلى قوم على وجه السعاية والإفساد بينهم، والنميم والنميمة : السعاية ﴿ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ ﴾ [القلم : ١٢] بخيل، والخير : المال أو مناع أهله من الخير وهو الإسلام، والمراد الوليد بن المغيرة عند الجمهور وكان يقول لبنيه العشرة : من أسلم منكم منعته رفدي ﴿ مُعْتَدٍ ﴾ مجاوز في الظلم حده ﴿ أَثِيمٍ ﴾ كثير الآثام ﴿ عُتُلٍ ﴾ غليظ جاف ﴿ بَعْدَ ذَالِكَ ﴾ [الطلاق : ١] بعدما عد له من المثالب ﴿ زَنِيمٍ ﴾ دعي.
وكان الوليد دعياً في قريش ليس من سنخهم، ادعاه أبوه بعد ثمان عشرة سنة من مولده.
وقيل : بغت أمه ولم يعرف حتى نزلت هذه الآية، والنطفة إذا خبث الناشىء منها.
روي أنه دخل على أمه وقال : إن محمداً وصفني بعشر صفات، وجدت تسعاً فيّ، فأما الزنيم فلا علم لي به، فإن أخبرتني بحقيقته وإلا ضربت عنقك.
فقالت : إن أباك عنين وخفت أن يموت فيصل ماله إلى غير ولده فدعوت راعياً إلى نفسي فأنت من ذلك الراعي.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٠٨
﴿ أَن كَانَ ذَا مَالٍ ﴾ [القلم : ١٤] متعلق بقوله ﴿ وَلا تُطِعْ ﴾ [الأحزاب : ١] أي ولا تطعه مع هذه المثالب لأن كان ذا مال أي ليساره وحظه من الدنيا، ويجوز أن يتعلق بما بعده أي لأن كان ذا مال ﴿ وَبَنِينَ ﴾ كذب بآياتنا يدل عليه ﴿ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ ءَايَـاتُنَا ﴾ [القلم : ١٥] أي القرآن ﴿ قَالَ أَسَـاطِيرُ الاوَّلِينَ ﴾ [القلم : ١٥] ولا يعمل فيه ﴿ قَالَ ﴾ لأن ما بعد الشرط لا يعمل فيما قبله.
﴿ أَاـاِن ﴾ حمزة وأبو بكر أي ألأن كان ذا مال كذب؟ ﴿ أَاـاِن ﴾ شامي ويزيد ويعقوب وسهل.
قالوا : لما عاب الوليد النبي صلى الله عليه وسلّم كاذباً باسم واحد وهو المجنون سماه الله تعالى بعشرة أسماء صادقاً، فإن كان من عد له أن يجزي المسيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بعشرة، كان من فضله أن من صلى عليه واحدة صلى الله عليه بها عشراً ﴿ سَنَسِمُهُ ﴾ سنكويه ﴿ عَلَى الْخُرْطُومِ ﴾ [القلم : ١٦] على أنفه مهانة له وعلماً يعرف به، وتخصيص الأنف بالذكر لأن الوسم عليه أبشع.
وقيل : خطم بالسيف يوم بدر فبقيت سمة على خرطومه.
٤١٠