﴿ إِنَّا بَلَوْنَـاهُمْ ﴾ [القلم : ١٧] امتحنا أهل مكة بالقحط والجوع حتى أكلوا الجيف والرمم بدعاء النبي صلى الله عليه وسلّم حيث قال :" اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها سنين كسني يوسف ".
﴿ كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَـابَ الْجَنَّةِ ﴾ [القلم : ١٧] هم قوم من أهل الصلات كانت لأبيهم هذه الجنة بقرية ـ يقال لها ضروان ـ وكانت على فرسخين من صنعاء، وكان يأخذ منها قوت سنته ويتصدق بالباقي على الفقراء.
فلما مات قال بنوه : إن فعلنا ما كان يفعل أبونا ضاق علينا الأمر ونحن أولو عيال، فحلفوا ليصرمنها مصبحين في السدف خيفة من المساكين ولم يستثنوا في يمينهم، فأحرق الله جنتهم.
وقال الحسن : كانوا كفاراً.
والجمهور على الأول ﴿ إِذْ أَقْسَمُوا ﴾ [القلم : ١٧] حلفوا ﴿ لَيَصْرِمُنَّهَا ﴾ ليقطعن ثمرها ﴿ مُصْبِحِينَ ﴾ داخلين في الصبح قبل انتشار الفقراء، حال من فاعل ﴿ لَيَصْرِمُنَّهَا ﴾ ﴿ وَلا يَسْتَثْنُونَ ﴾ [القلم : ١٨] ولا يقولون إن شاء الله.
وسمي استثناء وإن كان شرطاً صورة لأنه يؤدي مؤدي الاستثناء من حيث إن معنى قولك " لأخرجن إن شاء الله " و " لا أخرج إلا أن يشاء الله " واحد ﴿ فَطَافَ عَلَيْهَا طَآ ـاِفٌ مِّن رَّبِّكَ ﴾ [القلم : ١٩] نزل عليها بلاء.
قيل : أنزل الله تعالى عليها ناراً فأحرقتها ﴿ وَهُمْ نَآ ـاِمُونَ ﴾ [الأعراف : ٩٧] أي في حال نومهم ﴿ فَأَصْبَحَتْ ﴾ فصارت الجنة ﴿ كَالصَّرِيمِ ﴾ كالليل المظلم أي احترقت فاسودت، أو كالصبح أي صارت أرضاً بيضاء بلا شجر.
وقيل : كالمصرومة أي كأنها صرمت لهلاك ثمرها.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤٠٨
﴿ فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ ﴾ [القلم : ٢١] نادى بعضهم بعضاً عند الصباح ﴿ أَنِ اغْدُوا ﴾ [القلم : ٢٢] باكروا ﴿ عَلَى حَرْثِكُمْ ﴾ [القلم : ٢٢] ولم يقل " إلى حرثكم " لأن الغدوّ إليه
٤١١
ليصرموه كان غدوّاً عليه أو ضمن الغدوّ معنى الإقبال أي فأقبلوا على حرثكم باكرين ﴿ إِن كُنتُمْ صَـارِمِينَ ﴾ [القلم : ٢٢] مريدين صرامه ﴿ فَانطَلَقُوا ﴾ ذهبوا ﴿ وَهُمْ يَتَخَـافَتُونَ ﴾ [القلم : ٢٣] يتسارّون فيما بينهم لئلا يسمعوا المساكين ﴿ أَن لا يَدْخُلَنَّهَا ﴾ [القلم : ٢٤] أي الجنة و " إن " مفسرة وقرىء بطرحها بإضمار القول أي يتخافتون يقولون لا يدخلنها ﴿ الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ ﴾ [القلم : ٢٤] والنهي عن دخول المساكين.
نهى عن التمكين أي لا تمكنوه من الدخول.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٤١١
﴿ وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ ﴾ [القلم : ٢٥] على جد في المنع ﴿ قَـادِرِينَ ﴾ عند أنفسكم على المنع كذا عن نفطويه، أو الحرد القصد والسرعة أي وغدوا قاصدين إلى جنتهم بسرعة قادرين عند أنفسهم على صرامها وزي منفعتها عن منفعتها عن المساكين، أو هو علم للجنة أي غدوا على تلك الجنة قادرين على صرامها عند أنفسهم.
﴿ فَلَمَّا رَأَوْهَا ﴾ [القلم : ٢٦] أي جنتهم محترقة ﴿ قَالُوا ﴾ في بديهة وصولهم ﴿ إِنَّا لَضَآلُّونَ ﴾ [القلم : ٢٦] أي ضللنا جنتنا وما هي بها لما رأوا من هلاكها، فلما تأملوا وعرفوا أنها هي قالوا ﴿ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ﴾ [الواقعة : ٦٧] حرمنا خيرها لجنايتنا على أنفسنا ﴿ قَالَ أَوْسَطُهُمْ ﴾ [القلم : ٢٨] أعدلهم وخيرهم ﴿ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ ﴾ [القلم : ٢٨] هلا تستثنون إذ الاستثناء التسبيح لالتقائهما في معنى التعظيم لله، لأن الاستثناء تفويض إليه والتسبيح تنزيه له، وكل واحد من التفويض والتنزيه تعظيم.
أو لولا تذكرون الله وتتوبون إليه من خبث نيتكم كان أوسطهم قال لهم حين عزموا على ذلك : اذكروا الله وانتقامه من المجرمين وتوبوا عن هذه العزيمة الخبيثة فعصوه فعيرهم ولهذا ﴿ قَالُوا سُبْحَـانَ رَبِّنَآ إِنَّا كُنَّا ظَـالِمِينَ ﴾ [القلم : ٢٩] فتكلموا بعد خراب البصرة بما كان يدعوهم إلى التكلم به أولاً، وأقروا على أنفسهم بالظلم في منع المعروف وترك
٤١٢
الاستثناء ونزهوه عن أن يكون ظالماً ﴿ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَـاوَمُونَ ﴾ [القلم : ٣٠] يلوم بعضهم بعضاً بما فعلوا من الهرب من المساكين، ويحيل كل واحد منهم اللائمة على الآخر.


الصفحة التالية
Icon